مقالات

«إخوان اليمن» في ذكراهم

 


جعل «الإخوان» من المدارس والجامعات وحلقات الذكر في المساجد مصانع للإرهاب، وهيأت الحرب في أفغانستان مناخاً للخطاب النائح على الإسلام.


 


حكاية «الإخوان» في اليمن طويلة، وقد قفز إلى البال بالمناسبة الخطاب المتلفز لمحمد اليدومي، رئيس التجمع اليمني للإصلاح، الاسم التجاري لفرع جماعة «الإخوان المسلمين» في اليمن، في ذكرى إشهار الحزب، وليته كلف من يلقيه بالنيابة عنه، لأن خلجات وجهه وزوغان بصره ونبرات صوته قدمت شواهد قاطعة على أنه لا يقول الحقيقة، ذلك طبع «الإخوان» دائماً، غير أن الحقيقة تنبثق من ضباب الكلام ومن تحت السخام.


 


هنا في هذا الحديث الطويل والركيك يتبدى الأمر أظهر ما يكون، ولا تهم الركاكة رغم أنها تعكس عدم الصدق، فإن الكاذب يرتبك ويتتعتع، لكنها من الناحية الثانية توحي بأن البيان لم يكتبه قلم واحد، وأن قيادات الإصلاح أنهكت نفسها في إعداده بواسطة مجموعة، ثم نسخت ولصقت، كذلكم «الإخوان».. جسم متورم، بجسد فيل ورأس فأر.


 


ولقد قصد من ذلك الجهد الشاق أن يظهر الحزب نفسه بثوب ناصع البياض من خلال إلباس الحق بالباطل، وحاول أن يطلي الفحم بقشرة صفراء ويبيعه في سوق الذهب، لكن الحقائق عنيدة وكاشفة، ولئن كانت البضاعة مزيفة والقماش متهتكاً فإن العنوان على الغلاف بدا فاضحاً أبشع ما يكون.


 


في العنوان لاح الإصلاح شاكياً نائحاً يلقي اللوم على قوى لم يسمها؛ لأنها تنسب إليه ما يطعن في وطنيته ونزاهته، وفي إشاراته للتهم الموجهة إليه كان يلفت اهتمام السامع إلى خطايا وجرائم ارتكبها بالفعل، ولم يغرب عن بال السامع أن القوة التي لم يسمها هي ذاتها التي يفاخر بأنه قاسمها الانتماء إلى ما سمي «اللقاء المشترك».


 


إن التجلي الواضح للعنوان أن «الإخوان» يخبئون في نفوسهم أفدح الضغائن لمن يقولون إنهم حلفاؤهم، ويستعير رئيس الإصلاح ما بحت أصوات غيره بالنداء إليه، فهو يتجرأ ويقول إن التصدي للإرهاب لا ينبغي أن يقتصر على الإجراءات الأمنية، بل على مواجهة تخاض في حقول التعليم والثقافة والإعلام، فعلى من يضحك؟


 


إن الذي زرع الإرهاب في الحقول كلها هم «الإخوان أنفسهم»، فقد استولوا على مؤسسات التعليم وملأوها بالخرافة وعبأوها بالكراهية والحقد وحرضوا على قتل الكفار، مسلمين وغير مسلمين ما داموا خارج الجماعة، ولم يكن لهم حضور في جهاز الثقافة، لكن سيطرتهم على الأوقاف حيث يصاغ الرأي في بلد تطغى فيه الأمية جعلت صوتهم الأعلى، ولقد كانوا من هناك يحرضون ضد الأغنية والمسرحية والقصيدة، وفي يوم ما أفتوا بكفر الدكتور عبد العزيز المقالح على قصيدة قرأوها بعد سنوات من كتابتها حتى اضطرت السلطات إلى تخصيص حراسة تلازم الشاعر الكبير، وأما أستاذ الاجتماع حمود العودي فقد أباحوا دمه، وجعلوه يهرب خائفاً من صنعاء ويستقر في عدن عندما لم تكن لهم عليها سطوة، وفي جامعة صنعاء ألقى طلاب «إخوانيون» بالأسيد الحارق في وجوه زميلاتهم «لكي لا يبدين زينتهن».


 


جعل «الإخوان» من المدارس والجامعات وحلقات الذكر في المساجد مصانع للإرهاب، وهيأت الحرب في أفغانستان مناخاً للخطاب النائح على الإسلام، فضجت المنابر بالدعوة إلى نصرة الدين، ومحاربة الكفر القادم من موسكو، وفتحت أبواب التبرع والتطوع للجهاد، وجرت عملية تضليل وتعبئة رهيبة للشباب تولاها شيخهم عبد المجيد الزنداني، ومن الأسف أن الشباب الذاهبين إلى طلب الجنة لم يكونوا يعرفون بأن أثمانهم تقبض من السفارة الأمريكية في صنعاء.


 


ولا يزال اليدومي يغوص في بحر الكذب، فيبدي مشاعر طيبة حيال القضية الجنوبية، لكنه لم يقل أبداً إن قادة حزبه نهبوا الجنوب وذبحوه، ولم يقل إن القيادي «الإخواني» عبد الوهاب الديلمي أفتى بقتل الجنوبيين في حرب 1994، في المقابل قال: إن حزبه ضد الإقصاء، وهو الذي شطب الموظفين في وزارات التموين والصحة والتربية حتى نزل إلى المدارس في القرى ووكالة بيع القمح؛ كي يستبدل بهم رجالاً من عنده، وقال: إن حزبه مع إعلاء قيم الدولة، وهو الذي يمارس سلطات خارج نطاقها حتى رفض ربط فرع البنك المركزي في مأرب بمركزه الرئيسي بعدن، وقال: بضرورة بناء جيش على أسس وطنية، وهو الذي زج بآلاف الإرهابيين وولاهم المسؤوليات في جميع المحاور وفي دوائر هيئة الأركان ووزارة الدفاع.


 


قال: إنهم يلتزمون بالدستور والقوانين، وهم الذين حركوا المظاهرات ضد الدستور، وهم الذين ينتهكونه كل يوم لأنه خلق بشري لم يتنزل من السماء، قال: إنهم يشغلون خمس حقائب في الحكومة، وهم الذين عزلوا ممثلي أحزاب ومستقلين، ووضعوا مكانهم آخرين اشتروا ولاءهم بالمناصب.


 


لقد أثنى على الانتقال السلس للسلطة في 2011، وغض الطرف عن أن حزبه كافأ من سلموا الحكم بالعملية الإرهابية المعروفة في جامع النهدين، وتملق الشرعية واتهمها بالتواطؤ مع الحوثي، وكذلك أسرف في نفاق السعودية دون أن يفسر وجود قيادات له في الدوحة وتركيا تكيل القدح والذم للسعودية وللشرعية.


 


ما أسوأ ما قاله! وما أقبح ما لم يقله!.. تلك الأفعال الشائنة.


 


* نقلاً عن صحيفة (الخليج) الإماراتية


 

زر الذهاب إلى الأعلى