لكل منّا مُدخلات مَعرفيّة وتربوية يتكون منها عقله الخاص ومشاعره الذاتية، وهي التي في ضوئها يُحكم بخطأ شيء ما وصوابيّة آخر.
وهذا شيء طبيعي؛ بل ضروري لحيويّة الحياة واستمرارها وتطورها.
ما ليس طبيعياً هو ما يذهب إليه «الملحدون الجدد» من فَرَضيّة أن عقولهم الخاصة محيطة بالحق والصواب؛ بل وعلى الإله أن يأخذ بمقترحاتها ويحكم بحكمها فيما تَرى أنه ظلم أو عدل أو صواب أو خطأ أو ممكن أو مستحيل، وإلا فليس بإله!
فإذا كان المتطرف الديني يعتقد أنه قد كُشف له غطاء الحقيقة، وأن من لا يذهب إلى ما يذهب إليه فهو في ضلالة وعمى؛ فإن الملاحدة يفعلون مثل ذلك، ليس مع الخلق فقط؛ بل مع إله الكون خالق الحياة!
إن عقل الإنسان هو «مجموع الخِبْرة» التي يكتسبها عن طريق «الحواس والتلقي والتّجارب»، وليس آلة لإنتاج المعرفة مِن لا شيء، ولا يستطيع تقييم ما لا يمكنه تَصَوّره.
فالذي ليس لديه خِبرةٌ اكتسبها مُسبقاً في «الهندسة أو الطب أو الفيزياء»، لا يمكن لعقلة أن ينتج شيئاً فيها، ولو ظل يفكر ألف ألف سنة؛ لأنه يحاول أن يُشَغّل عقله في الفراغ، حيث لا مَواد أوليّه يتحرك فيها ويستنتج في ضوئها.
لذلك فإن عدم إدراك هذه الحقيقة هو سبب تخبط «الملحدين الجُدُد»، الذين لا يتوقفون عند سقف الإنكار لكل ما لم يحيطوا بعلمه؛ بل يحكمون بعدميّة ما لا يفهمون، وكأنّ عقولهم (المحدودة) قد أحاطت بكل شارِدَة ووارِدة في هذا الكون.. وبالتالي فكل ما لم يستوعبوه ليس له –في نظرهم- وجود!