رمضان الأصالة و المقاومة..!!
ها قد بدأنا الطقوس التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ قات وسهر ونوم وصياح من بعد العصر وغارة الله، وعبادة موسمية مؤقتة تغسل ذنوب السنة، ولا يختلف هذا الفهم عن غسل الهندوس في نهر الغانج، خاصة لمن لا يفقهون أن مدرسة رمضان سلوكية لا شكلية وتدريب على فقه العبادة لبقية العمر و ليس للسنة وحدها.
ها قد أقبل الشهر الفضيل الذي لا تتوقف فيه المحسوبية والرشوة والفساد المالي و الإداري، بعد غدٍ سنتبادل التهاني والقبل والرسائل الميته، وعلى الله الخراج..
بالنسبة لي قررت أن اشتري “فوطة” لكن صديقي رياض المهير خبير الفوط “عاده يزنط” ويؤخر المشوار حتى يثبت الهلال مع أننا في ماليزيا نصوم ونفطر بحسب التقويم الماليزي.
أنا شخصياً أفتقِد الصديق عبد الولي من ذمار، صاحب مصطلح “عشاء القرية” ينطقها بلكنته الذمارية الساخرة عندما يزيد طعام الإفطار الرمضاني عن حده، فنظريته الطيبة تؤكد على أنه لابد من الاقتصاد وعدم الإسراف، وهذا من حسن قيم الرجل و قيم المجتمع الطيب الذي قدم منه.
وافتقد الصديق حسين علي من بغداد، كان نعم الرمضاني الهادئ، وهو غير مهتم بالطقوس العربية، كان يفتقد أسماء الوجبات الرمضانية في بلده، ولأنه غير خبير في الطبخ لم نر منه سوى أسمائها في الأثير، لكنه ينفذ مهام المشتريات التي يقرها وزير الاقتصاد عبد الولي.
مع أن عبد الولي لا يجيد تحضير وجبة الشفوت، لكن يكفينا معه اللمة، وتقطيعه للحبحب.. والمسكين حسين يأكل معنا التمر ويتجرع القهوة السمراء المرة، الرجل عربي وعيب أن يرد فنجان القهوة، و طول الشهر يشربها على مضض، فكان يحلي فمه بشرب الببسي ليتخلص من مرها، في بلاده يشربونها في الأحزان – بعيد عنكم وعنه- و يفطرون في رمضان بالتمر و اللبن.
رمضان قادم بذكرياته الطيبة أيضاً هو شهر المقاومة في اليمن الحزين، مقاومة طغيان الذات، و مقاومة الانقلاب والإرهاب و الفساد، في بلدي اليمن خير العباد من يقفون خلف المتارس يدافعون عن أمتنا اليمنية، و متارسهم موزعة في كل الجبهات، و يليهم ثلة من المخلصين للقضية اليمنية من ساسة و إعلاميين و حقوقيين، و قبلهم جميعاً الشعب اليمني الصابر على جور الأصدقاء و الأعداء.
لكل عصر تحدياته ولكل تحدي رجاله ..إنها أرزاق تقسم على البشر كما تقسم عليهم أوطانهم و شعوبهم، و حين يكون نصيبك أن تكون من أمة عريقة جداً ..أصيلة جداً، خرجت منها كل قبائل العرب، حينها تعرف أن نصيبك من التحديات عظيم، عليك أن تحافظ على عراقتك كما تحافظ السحاب على نقاءها وعذوبة ماءها، فلو استسلم أهل الحكمة و الإيمان للفتن والمادية والعصبية الطائفية فمن سيستمر بالمقاومة بعدهم ؟؟!!
إنه واجبنا أن نثبت أننا أهل للحكمة و للقيم العليا التي ترعرعنا عليها منذ اﻷزل البشري، وحين يكون نصيب الناس في رمضان ركعات و ختمات يكون نصيبنا الذود عن العدل و الحرية و إعادة قيم المساواة و النقاء اليمني لبلادنا.
نحن مرجعية العرب الهاربين من قضاياهم، شئنا ذلك أم أبينا و سنظل كذلك بكفاحنا و مرابطتنا أمام كل هذه العواصف و الشدائد العصيبة.
فلا تحزن يا أيها اليمني أينما كنت، فكما تعلم كل يمتحن على قدره.. و هذا قدرنا ..أمة يمنية عظيمة، و إن تنكر لها أبنائها العرب و إن انتقصوها أو حاولوا تناسيها ..فمصيرهم معرفة صواب أن اليمن مرجعيتهم جميعاً.. و رمضان مبارك للجميع.