أشك أن يكون هناك سلام شامل باليمن وتسوية مضمونة بين الجنوبيين والشرعية في ظل بقاء السفير السعودي آل جابر بواجهة المشهد كمتحكم بكل صغيرة وكبيرة لمصلحة حزب الإصلاح وعلى حساب الأطراف الأخرى.
لقد ظلّــــتْ السُــلطة اليمنية الموجودة بالرياض ترفض الحديث عن أي حوار مع الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام منذ الأسابيع الأولى لهذه الحرب، وتتمنع بشدة عن أي حوار، واضعة عدة شروط، منها: تسليم السلاح -لما تسميه بالجيش الوطني- والانسحاب من المدن والمرافق.
ولم تمر سوى بضعة أشهر حتى هرولتْ حثيثاً لتحاروهم في الكويت ثم أوروبا، وذهبت شروطها أدراج الرياح، فيما ظل الطرف الآخر على موقفه دون أن يستجديها أي حوار أو يرضخ لشروطها التعجيزية.
رحــم َاللهُ الشاعر حسين المحضار، القائل:
مشكلة في الناس إن راضيتهم عادوك**وإن عاديتهم طلبوا رضاك.
اليوم تضع ذات الشروط على المجلس الانتقالي وتلكؤ بذات الطريقة، وربما سيطول تمنعها من إجراء حوار جاد مع الانتقالي بذات القدر والفترة التي ستظل تجد فيه استجابة وحرص من الانتقالي.
ولذا فخير وسيلة لجرها بأذنها إلى فوق الطاولة هي الشروع بإطلاق حوار جنوبي حقيقي وشامل مع كل القوى والشخصيات الجنوبية بالداخل والخارج لا يستثني أحداً، وتعزيز الحضور والثبات على الأرض بوتيرة ومساحة أكثر، وخفض مستوى هذا الحرص وهذه الانطلاقة على طاولة الحوار التي ينتهجها الانتقالي طالما ظلت هي تتمرس خلف بلطجتها، وظل التحالف والسعودية تحديدا عبر سفيرها غير المحايد- يداهن هذه السطلة بتعنتعها ويواصل إملاءاته على الانتقالي إرضاءً لسلطة هي في الأصل افتراضية لا تمتلك من الأمر شيئاً سوى شرعية مستوردة أتت لها من خارج الحدود على غفلة من الزمن.
وللتذكير فإن تفجُّـــــرُ الأزمة والصدام العسكري بين القوى الجنوبية وبين السطلة اليمنية المسماة بالشرعية كان متوقع الحدوث منذ اليوم الأول لهذه الحرب، بل ومنطقي أن يحدث، كون الشراكة التي ضمّــتْ الطرفين هي شراكة آنية لحظية وليس تحالفا استراتيجيا.
فالطرفان جمعهما هدف واحد مرتبط بزمن وظروف محددين، وهو الخصم المشترك لهما: الحركة الحوثية وقوات وحزب المؤتمر الشعبي العام، جنباً إلى جنب مع الضغوطات التي ظلت تمارسها السعودية والإمارات “التحالف” على كل الأطراف لئلا تنفرط حبّات عُــقد هذه الشراكة “الهجين” وتفشل الحرب مبكراً.
أمّا ما دون ذلك فما يفرقهما أكثر بكثير مما يجمعهما، فيكفي أن نعرف أن للطرفين مشروعين سياسيين متصادمين، تجلّى هذا التصادم بما شاهدناه مؤخرا بمجرد أن انتفت الظروف التي جمعتهما أو توشك أن تنتفي، وبعد أن فقد التحالف جزءاً من هيبته وقوته أمام شركائها وبعد أن دبَّ الخلاف الصامت بين طرفيه: السعودية والإمارات.
…لا نستغرب من تفجر هذه الأزمة -التي كان وما زال الجنوب هو ساحتها-، فهي كما أسلفنا متوقعة الحدوث منذ اللحظة الأولى لإخراج قوات الحوثي وصالح من الجنوب صيف 2015م وسيطرتهما على الجنوب، لولا أن “التحالف” ظل ضاغطا على غطاء المرجل تحاشياً للانفجار الذي حدث في نهاية المطاف.
اُسّ الخلاف هو سياسي متراكم منذ ربع قرن على الأقل.
فالشرعية -وحزب الإصلاح- بالذات سعتْ منذ ذلك الحين أي منذ خروج قوات الحوثيين وصالح من الجنوب إلى تنفيذ مشروعها القديم، مخرجات حوار صنعاء، مشرع الدولة من ستة أقاليم-، وهو المشروع المرفوض جنوبياً- في وقت تؤكد فيه هذه السلطة المسماة بالشرعية ظاهرياً على ضرورة تأجيل الحديث والبت عن / وبــ القضايا السياسية بما فيها القضية الجنوبية إلى بعد إسقاط من تصفهم بالانقلابيين في صنعاء، في ذات الوقت الذي كانت ما تزال تكرّس دون هوادة لمشروعها السياسي، ويتعاطى إعلامها مع ما تصفها بالأقاليم مأرب وحضرموت والجند وتهامة وغيرها مما تسميها بالأقاليم وكأنها قائمة فعليا وأن على الجميع أن يتقبل ذلك بخضوع وإذعان.
ومثل هذا التصرف تحديا سافرا لباقي القوى التي ترفض هذا المشروع بل وحتى تلك القوى التي تتحفظ على بعض بنوده وترى أن وقت فرضه عنوة على الآخرين يعتبر حماقة واستفزاز مدمّــر.
فهذا الاستفزاز المتعجرف والبلطجة السياسية السافرة هي من أوصل الأمور إلى هكذا وضع مأزوم ومعقد، حيث اضطرت القوى الجنوبية وبالذات الملتزمة بنصرة القضية الجنوبية من أن تفعل الشيء ذاته من تكريس مشروعها من باب التعامل بالمثل.
لا نقول إن القوى الجنوبية كانت أكثر انضباطا ومثالية من الشرعية بعدم تكريس مشروع الجنوب الاستقلالي، ولكنها على الأقل لم تكن البادئة في ذلك، وظلت ملتزمة أطول فترة -ربما بفعل الضغوطات والرفض السعودي- إلى أن تجاوز الطرف الآخر كل الحدود.