سيكتب التاريخ الكثير والكثير عن ٢٢ مايو ١٩٩٠ .. لكن أهم ما يمكن أن يكتبه، من بين كل ما سيكتب، هو أن للأحداث العظيمة مسارين يتوقفان على القوة التي تحمل هذا الحدث.
فإما أن تختار المسار الذي يجسد عظمة هذا الحدث، أو ألحقته بالمسار الذي يجعل منه مهزلة تاريخية.
٢٢مايو من أعظم أيام التاريخ في اليمن المعاصر، لكن النكسة التي أصابته وجعلت منه يوماً إشكالياً مسكوناً بالخوف والنقيض والسخرية والعظمة، في آن واحد، هو أن المسار الذي وضع فيه مثل إنقلاباً جذرياً على أهدافه الحقيقية في بناء وطن حر ومستقل ومزدهر .
– كان حدثاً لإغلاق صفحة الحروب والصراعات الدموية في حياة اليمن فتحول إلى بوابة لحروب أشد فتكاً ودماراً . افتتحت بحرب ١٩٩٤ التي اجتثت الحدث من جذوره ، وشقت الطريق إلى المسار الذي أفضى إلى هذه النهاية المأساوية .
– كان حدثاً للم شمل اليمنيين ، فجرى تحويله إلى مناسبة لتمزيقهم على نحو لم يشهد له اليمن مثيلاً حتى في أكثر فترات انقساماته السياسية والعسكرية ودويلاته المتعددة.
– كان حدثاً لبناء دولة وطنية متماسكة تعيد للانسان كرامته ومواطنته التي أهدرهما الاستبداد ، فجعلوا منه متراساً لمقاومة وتعطيل أي جهد وطني لبناء هذه الدولة ، وأهدروا دم كل من سعى الى التمسك بهذا الهدف الوطني العظيم .
– كان حدثاً لبناء يمن متقدم ومزدهر فتحول إلى بؤر استنزفت فيها ثروات البلاد من قبل أقلية متنفذة لا تتجاوز واحد في المائة من السكان بقوة السلطة ونفوذها . وأفقر الشعب في أسوأ صور الإفقار التي غابت معها كل فرص التسويات والاصلاحات على أي صعيد كان . وتوسعت رقعة الفقر التي استقطبت الملايين في دورات الجوع ، والعنف، والقلق ، والتوهان في مشاريع لحظية غاضبة توزعت فوق خارطة مفككة ، كان أخطر فجواتها استدعاء الطائفية السياسية من مرقدها لتغرق اليمن كله في بلواها وعنادها وميراثها اللئيم .
– كان حدثاً للانفتاح على العصر ، فأغرق في جحر الماضي وسردابه الذي أوصله بالحبل السري للكهف الذي احتشد فيه هذا الماضي ، بكل بلاويه ، ليخرج بمشروع إنتقامي مدمر كان خلاصة مكر التاريخ بما اتسم به من عبور هزلي ونهب ساخر لوقائع تاريخية ولا تاريخية لم تصمد كثيراً أمام مكر التاريخ.
– كان مشروعاً لبناء عملاق ، ففجر من داخله ، وصار تلة من خراب . وجميعنا اليوم قاعدين فوق هذه التلة نتراشق بحجارتها غير قادرين على أن نحدد مساراً نبدأ منه مشوار استعادة الوعي بما آل إليه حالنا .
٢٢مايو مخيال كبير بحجم وطن اسمه اليمن ، حاصره فعل صغير بحجم القبعة التي صادرته .
٢٢مايو صورة من صور حياة اليمنيين التي تتجسد فيها ثنائية العظمة والخذلان في أبرز تجلياتها التي لا تترك أمامنا غير خيار لا يكفي معه أن نعترف بأننا في محنة بل بأننا مسئولون عنها وعن حلها .