من أجل السلام لا بدّ أن يسقط الحوثي

 


أصبح اليمنيون بلا وطن وبلا وجهة محددة يستدركون أنفسهم عبرها، لم يشهد الإنسان اليمني أن تشرد من بلاده وشعر بالغربة فيها مثلما فعل به الحوثي وجائحة الإرهاب التي حملها عبر فكره المتطرق المنتقم، ولم يشهد الإنسان اليمني غُربة وسط أبنائه أفظع من الغُربة التي جلبها العرهاب الحوثي واستوطنت بيوتهم وأفرغتها من لقمة العيش وستر الحال.


 


تعيش اليمن اليوم مرحلة من مراحلها الصعبة التي حاولنا أن نقارنها بمراحل سابقة في التاريخ، ولم نجد إلا تلك المراحل المرتبطة بوجود الأئمة السفاحين الذين يعتنق الحوثي فكرهم ويُعتبر امتداداً لهم.


 


في الحرب التي أوقفتها الأمم المتحدة إنقاذاً لجماعة إرهابية مثل الحوثي وكادت أن تسقط في ليلة وضحاها ويتم تحرير الحديدة حيث المورد المالي الضخم الذي يغذي تلك الجماعة، كان يجب أن لا تتوقف، لكن المصالح المتشابكة بين الدول الكبرى هي أعظم من مصلحة الشعب اليمني في القاموس الأممي، حيث وجدت بريطانيا نفسها أمام فرصة ثمينة قدمتها لهم جماعة الحوثي لاستلام الحديدة عبر المبعوث الأممي.


 


طالت الأزمة الإنسانية في الحديدة وكل مناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي ولم يكن إيقاف المعركة إلا ذريعة تحت يافطة الإنسانية، واستمر الموت يعربد بين اليمنيين صبراً وجوعاً، واستمرت جماعة الحوثي تجني الأموال الطائلة وبريطانيا تنعم بالمدينة، وسقطت شماعة الأزمة الإنسانية التي كانت سترافق تحرير المدينة.


 


لذلك وفي خضم هذه الشائعات التي تجول وتصول في وسائل الإعلام والتقارب السعودي الحوثي لإبرام صفقة يبدو أن الشعب هو الضحية في نتائجها، لا بد أن يسقط الحوثي، وأن يتم تجريده من سلاحه الذي يستقوي به على المجتمع ليخضعه ويذعنه لسلطته التي نهبها بعد أن أسقط دولة بكل كيانها وإن كانت ضعيفة.


 


بقاء الحوثي دون تجريد هو خطر يداهم كل مناطق اليمن ولن يتوقف عند حدوده التي صنعتها له دول إقليمية، هو يعد العدة ليستأنف خطواته وسيطرته، وبعد أن يبتلع كل البلاد إن استطاع ذلك فسوف يبدأ بمرحلة إسقاط مكة والمدينة باعتباره الوريث الوحيد من السلالة النبوية المخول له حكمها، يلعب في ذلك المال والدعم الايراني الذي يقف خلفه منذ نشأة هذه الجماعة المتمردة على القيم المجتمعية.


 


كسر الحوثي عسكرياً سيساهم في التخفيف من أمد الأزمة التي ستستمر لو دخل التفاوض كوسيلة لكسب تنازل منه، حيث إن المعركة لا تزال أطرافها في أماكنها ولا تزال القوات متأهبة عند أبواب مدينة الحديدة، ومن أجل استلام صنعاء بتفاوض سهل، لا بد أن يتم إسقاط الحديدة، الحامية لهذه الجماعة وسندها الكبير.


 


أما التفاوض مع هذه الجماعة فهو سيكون من باب الترف لها، ومسلكا آمنا لإعادة تموضعها والتقاط أنفاسها وترتيب بيتها من الداخل، لن يصل أي طرف كان مع هذه الجماعة عبر التفاوض إلى حلول عادلة تخدم المجتمع وعودة الدولة، لأنها جماعة عقائدية متطرفة مشروعها أن تحكم وتسيطر على العالم وليس اليمن وحسب.


 


تلعب المملكة العربية السعودية دوراً في تقريب وجهات النظر بينها وجماعة الحوثي، وأعتقد أن المملكة تسير في الطريق الخطأ الذي لن تصحو منه إلا بعد أن تشعر بالوجع، ولعلها لم تدرك أو تستوعب خطر الجماعات الدينية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين -حزب الإصلاح في اليمن- التي تحتضنها في فنادقها، وأنفقت عليها مليارات الريالات في حرب أفضت في النهاية بالمملكة إلى البحث عن وسيلة مناسبة للتفاوض مع جماعة إرهابية أخرى هي الحوثي.


 


صحيح أن المملكة تسعى أن يبقى الصراع في الداخل اليمني بعد تأمين حدودها الجنوبية وعبور الصواريخ الحوثية مجالها الجوي، إلا أن هذا الأمر إن تم فسوف يكون لحظيا ولن يدوم، وسيخلق الحوثي وجماعته مبررات للهجوم على المملكة وخاصة عندما تشعر إيران بالخطر.


 


حالتان ستذهب إليهما مآلات الحرب في اليمن: أن يتحول ويستمر الصراع داخليا بين الأطراف وإشغالها بالاستمرار في هدم ما قد تم هدمه من دولة ومجتمع وهوية، ونتحول إلى لبنان آخر، وتتعرض الملاحة الدولية إلى القرصنة بشكل متواصل، أو أن تذهب الحرب في حالتها الطبيعية لإسقاط الحوثي وإرهابه والقضاء على كل الجماعات الدينية المتطرفة وعودة السلام والدولة إلى اليمن، وتحقيق أمن وسلامة الدول الإقليمية وممرات التجارة العالمية.


 


إسقاط الحوثي سيضمن بقاء المجتمع نوعاً ما دون فرز مناطقي ومذهبي وسيحفظ البلاد من التقسيم الطائفي الذي تشتغل عليه جماعة الحوثي، ما تقوم به هذه الجماعة من سلب للهوية اليمنية وصناعة ديمغرافيا جديدة خدمة لمصالحها ومطامع إيران لن يتوقف عند حدود اليمن إن لم يتم كسرها وتجريدها.


 


صورة الحوثي الحقيقية هي أبشع وأفظع مما تراه بعض دول الإقليم، وهي أخطر جماعة في العصر الحالي تمثل تهديداً وخطراً حقيقياً لكل مقومات التعايش والسلام، ومن أجل مصالح معينة تقوم بعض الدول بمحاولة صنع ديكور ومكياج على وجه هذه الجماعة وتقديمها للعالم بصورة مزيفة كحمل وديع، والضحية الأولى والأخيرة هو المجتمع اليمني.


 


 


 

Exit mobile version