نقابات مسلحة وحزب مسلح
ما يميز أبناء تعز طيلة العقود الماضية، أنهم أيادٍ عاملة منتجة، يكسبون رزقهم من عرق جبينهم، هذه السمة هي التي ميزت الإنسان التعزي بأن يكون السباق في تشكيل النواة الأولى للمجتمع المدني. بعكس الرجل في شمال الشمال الذي ظل متأثراً بثقافة المستعمر العثماني القائمة على سياسة الجباية والتنافيذ والتجهيل وسلب حقوق الغير من خلال الاستقواء بقوة السلاح.
ونظام الأئمة في اليمن ما هو إلا امتداد للنظام العثماني، وقد اتخذ الأئمة النظام العثماني نموذجا لإدارة شئون الناس، وظل هذا النظام قائما حتى بعد ثورة 26 سبتمبر، وأصبحت أعراف المستعمر العثماني قانوناً يعمل به حتى يومنا هذا.
ويعتبر المستعمر العثماني أطول مستعمر ظل جاثماً على الوطن العربي.. وشهد الوطن العربي خلال تلك الحقبة التاريخية ركودا حضاريا لم يشهد له مثيلا من قبل، بسبب سياسة التجهيل والعزلة التي انتهجها المستعمر وما ترتب عنها من آثار كارثية.
نستطيع القول بأن الحرب الدائرة في اليمن دمرت كل شيء جميل، وحجم الدمار بلغ حجم ما دمره المستعمر العثماني طيلة أربعة قرون من الزمن، ولا أقصد هنا دمارا للبنية التحتية فحسب، ولكن دمار للأخلاق الإنسانية.. وكيف تحول الناس إلى وحوش؟ وصارت تعز مدينة الضباع والذئاب تعمل بنظامين: نظام سنان باشا، ونظام يحيى حميد الدين، أو بالأصح بعقلية جنود الانكشارية وجنود الأئمة.
منذ تشكيل الجيش بتعز عام 2016م، كان يعول عليه استعادة الدولة من المليشيا الانقلابية، وإذا بهذا الجيش ينقلب على تطلعات وطموح المواطن التعزي، ويصبح هذا الجيش جزءاً من المشكلة؛ كونه لم ينشأ وفق معايير وطنية، وأصبح قادة هذا الجيش ينهجون سياسة الجباية وجمع الأموال غير المشروعة من خلال النهب المنظم للممتلكات العامة والخاصة.. حتى منازل المواطنين لم تسلم من هذا النهب. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تحول بعض منازل المواطنين بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية إلى سجون ومعتقلات لأصحاب الرأي والفكر..
عموماً.. ليس بوسع أحد أن ينكر بأن المؤسسات المدنية بتعز تم تدميرها بشكل كلي، وتم تطبيع السكان القاطنين بسلوك يتنافى مع السلوك المدني.
وكما هو معروف أيضاً بأن هناك نقابات وأحزاباً كبيرة ذابت داخل الجيش، وأصبح لدينا نقابات مسلحة وحزب مسلح. فالمؤسسة المدنية سواءً حزباً أو نقابة أصبحت ملحقاً من ملحلقات محور تعز العسكري، وأصبح أعضاء وقادات الأحزاب والنقابات يحملون رتباً عسكرية رفيعة داخل كتائب الجيش.. وهنا تكمن الخطورة على تعز بعسكرة الحياة المدنية وبعودة عجلة التاريخ إلى القرون الغابرة.