فوق حصان الجهل
لم تكن بذرة نبيلة تلك التي ألقاها في اليمن (عبده المخلافي) و(عبد المجيد الزنداني)، فعلاوة على الجرائم السياسية والاقتصادية يرتكب «الإخوان» جرائم أخلاقية فاحشة، وفي الآونة الأخيرة شغلت اليمنيين قضية أفزعت سكان تعز ودفعتهم إلى حبس الأطفال في المنازل، ومنعهم من الذهاب إلى المدارس أو الخروج إلى الشوارع.
نوع خطر من الرذيلة تمارسه عناصر «إخوانية» ويُلقي الحزب كامل ثقله لحمايتهم من العقاب وحتى من المساءلة.
من المخجل أن نسمي الرذيلة باسمها لمحاولة فهم دوافع مرتكبيها، وعما إذا كان مرضاً ينخر جسد الجماعة أم إنه سلوك مقصود به تدمير الطفولة، وإنتاج مجتمع منحل، خصوصاً أن المكشوف، وما بالنا بالمستور يشير إلى أن القضية أقرب إلى الظاهرة وأبعد من مجرد انحرافات فردية.
لا يشفع الخجل للمرء أن يسكت عما يصيب البلاد من دمار أخلاقي واجتماعي على أيدي «الإخوان» الآن، ويذهب إلى ما كانوا عليه قبل نصف قرن. لا، ليس الأمر على هذا النحو، وإنما كنت عند البدايات وعليّ ألا أقطع السياق وأنسى أن البدايات تسوق إلى الخواتيم، ولقد كان من حسن خاتمة المخلافي موته المبكر، حيث احتفظ بصورته بيضاء على عكس صاحبه.
أعتقد أن معرفة شخصية الزنداني مهمة جداً؛ نظراً لتأثيره الطاغي في انتشار الجماعة. لا يرجع ذلك إلى القدرة على التنظيم أو الثقافة العالية أو المهارة السياسية، فهو مثقف سطحي وسياسي ساذج؛ بل إن سلاحه الوحيد هو ديماغوجيته، والديماغوجي أقوى من العقلاني في التأثير في عقول العامة، كذلك فإن الطبل الأجوف يستجلب القطيع أكثر من الموسيقى العذبة، وهو يستخدم الخرافة دائماً، ونادراً ما يستعين بصحيح الدين، و«الإخوان» في اليمن وفي سواه أنتجوا كثيراً من أمثاله مهمتهم تهييج الناس وحثهم على التسابق إلى الجنة التي يمتلكون مفاتيحها وما بعده يتولاه رجال التنظيم، وهم أقل ظهوراً وذو مهارات فائقة ربما لم تكن تضاهيها الأحزاب الشيوعية التي ألهمت حركات كثيرة في العالم، في بناء التنظيم الثوري.
فوق الخرافة يستثمر الزنداني في ابتداع روايات ظاهرها الترويج لفكرة أن الإسلام هو الدين الحق الوحيد كما يرى، وجوهرها الدعاية لنفسه كداعية صاحب قدرات خارقة. وفي هذا لا ينفك يخترع أسماء بروفيسورات في علوم طبيعية مختلفة يدعي أنه ناظرهم وجعلهم يخرجون من ملتهم إلى دينه، وعلى هذا استحق هذا الداعي المخلص والمثابر مساعدات مالية من حكومات ومنظمات وهيئات مهتمة بنشر الدعوة الإسلامية في مدن الكفر.
لئن كانت هذه تجارة بالدين، فإن الزنداني مارس التجارة بكل شيء.. من البشر فوق البر حتى الأسماك في أعماق البحار، وكان تاجراً غشاشاً دائماً. إن عقدة الفشل في دراسة الصيدلة جعلته يرتدي معطف الطبيب ويداوي السرطان والإيدز والسكري، وهو لا يكشف وصفاته، وإنما يتوافد المرضى إلى عيادته من الفجر حتى الضحى، وهناك يلقمهم مساعدوه جرعات من أخلاط مجهولة وفيهم من يتوفى (بسبب إهمال التداوي)، ومنهم من ييأس ويغادر بعد أن يجف جيبه، ومعلوم دوره في حرب أفغانستان عندما أنشأ غرفة عمليات في صنعاء لاستقبال الشباب وإرسالهم إلى بيشاور مقابل ألف وخمسمئة دولار للفرد، تدفعها منظمات اتخذت مسميات إسلامية وعملت ساتراً للاستخبارات الأمريكية.
في ذلك الوقت جرى تثبيت الصناديق جوار محاريب المساجد لتلقي تبرعات للجهاد يدعو لها الخطباء بعد كل صلاة، كما طاف الجباة على كبار رجال الأعمال فتدفقت أموال بلا حساب ذهبت لمحافظ رجال «الإخوان»، وكان للزنداني منها النصيب الأوفر.
في التجارة بالسلع والخدمات أنشأ الزنداني وجماعته، شركات للأسماك والعقارات استكتبوا فيها الناس وأخذوا مدخراتهم بما فيها حلي النساء، في عملية نصب كبيرة شبيهة بشركات توظيف الأموال في مصر، ولكن بدون قوة رأي عام وإعلام يكشف ويفضح، وبدون قضاء نزيه يحقق ويحكم، وبلا حكومة تحزم وتلزم، وبالعكس، فإن شركة «المنقذ» استولت على أموال المكتتبين وفي نفس الوقت زوّرت أوراق ملكية لأراض واقعة في نطاق حرم المنطقة الحرة، وفي إحدى الصفقات الانتخابية تلقى حزب الإصلاح تعويضاً عن ملكية باطلة من الخزينة العامة مقداره 7 مليارات ريال، بما يعادل 47 مليون دولار بسعر صرف تلك الأيام.
كذلك فعلت الحكومة.. وأما الناس فقد ابتلعوا ألسنتهم وصمتوا، بعضهم لا يريد الاعتراف بأنه أُخذ على غفلة، وأغلبهم لا يقدر على أكثر من الأنين، وهكذا على حصان الجهل الجامح يستنزف «الإخوان» اليمن ويسرقون شعبه.
*نقلاً عن صحيفة الخليج