ليس المقصود بسقوط المثقف كل المثقفين، إنما بعضهم، ممن تخلى عن دوره في المجتمع كرافعة للوعي، وكمهماز للتغير الإيجابي، وقرر ركوب مركب آخر مخالف لقيم مجتمعه وأمته، بداعي أنه مختلف عن الآخرين.
أي مثقف هذا؟ هل هو «المثقف العضوي» بمفهوم المفكر الأمريكي «تالكوت بارسونز»؟، أم هو حسب المفكر والقائد السياسي الإيطالي أنطونيو غرامشي «إن المثقف الذي لا يتحسس آلام شعبه لا يستحق لقب مثقف»؟ أم هو «المثقف الذي وهب ملكة عقلية لتوضيح رسالة أو وجهة نظر أو موقف، أو فلسفة، أو رأي، أو تجسيد أي من هذا وتبيانها بألفاظ واضحة لجمهور ما ونيابة عنه؟ حسب إدوارد سعيد.
الحقيقة أن بعض المثقفين العرب الذين يجاهرون بآرائهم على صفحات الجرائد وشاشات التلفزة ويدعون أنهم أرباب رأي ومفكرون، ويدمرون يقينيات وثوابت وطنية وقومية ويقوضون بديهيات، هؤلاء لا ينتمون إلى أي نوع من أنواع المثقفين المشار إليهم، بل هم في الواقع يسيئون إلى الثقافة كمفهوم حضاري وإنساني، ويسيئون إلى المثقفين الحقيقيين لأنهم يضعون أنفسهم في مركب ليس مركبهم.
فالمثقف العربي الحقيقي هو من يمتلك قدراً من الثقافة الحقيقية والالتزام الفكري والسياسي بثقافة أمته وتراثها وكينونتها ومستقبلها، والقادر على التعبير عن هواجس الجماهير وتطلعاتها.
نرى بعض المثقفين مثلاً ينظرون للسلام مع العدو «الإسرائيلي»، باعتباره قدراً، ولا يرون فيه عدواً، ويجاهرون بأن له الحق في الوجود على الأرض الفلسطينية، وبعضهم لا يجد غضاضة في تبرير عمليات القتل والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وبعضهم لا يعتقد بأن الأرض الفلسطينية مثلاً هي للفلسطينيين، ولا القدس هي حق للمسلمين والعرب. إلخ!
سمعنا ذلك من بعض «المثقفين» العرب على شاشات التلفزيون، وقرأناه على صفحات الصحف، ووقفنا نسأل أنفسنا: هل الثقافة تصاب أحيانا بمرض عضال؟ وهل العطب يصيب نخاع المثقف ويصبح ما يقوله أقرب إلى الهلوسة؟
من المؤكد، على ضوء ما نراه ونسمعه أن الثقافة تصاب أحياناً بمرض عضال، تماماً كما الأمراض تصيب السياسة وتحتاج إلى علاج صوناً للسياسة والثقافة ودورهما.
هؤلاء الذين يدعون الثقافة «لديهم مشكلة.. وعليهم تبرير وجودهم»، كما يقول نعوم تشومسكي، لأنهم يعيشون حالة من القلق المعرفي المزمن، لذلك يتعمدون تدمير بديهيات ويقينيات تاريخية وثقافية، أو هم رهينة مواقف سلطوية يأتمرون بأمرها ولا يحيدون عما تقوله، وبذلك فقدوا دورهم كمثقفين حقيقيين، وتحولوا إلى أجراء باسم الثقافة، وفي هذا يقول جان بول سارتر «العدو الألد للمثقف هو المثقف المزيف، لأن المثقف المزيف هو قبل كل شيء مثقف مبيع».
المثقف العربي على المحك الآن في ظل التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة، وعليه أن يحدد دوره ووظيفته.