فرص التسوية في اليمن

 


 


هل غدت التسوية السياسية في اليمن ممكنة وقريبة؟


 


بعض الإشارات تعطي خيطاً من التفاؤل، إن كانت من تصريحات المسؤولين الأمميين والإقليميين، أو من الهدوء النسبي على خطوط النار، لكن الشكوك كبيرة في أن وراء الأكمة خيوطاً تغزل وقوافل تحمل وتساق في طرق متباعدة، وأنه في الأرجح ليست هناك فرصة.. حتى واحدة.


 


في إحاطة المبعوث الأممي مارتن جريفيث الأخيرة إلى مجلس الأمن يتحدث عن ترتيبات صغيرة، ينتهي منها إلى أنها ستمهد لتسوية سياسية شاملة، حيث أشار إلى أنه تم تحقيق تفاهمات حول توريد الضرائب والرسوم الجمركية على المشتقات النفطية الواردة إلى جمرك الحديدة لحساب خاص في البنك المركزي كي تنفق على موظفي الخدمة المدنية في المحافظة، وأنهم نجحوا في تخفيف حدة أزمة الوقود في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثي بعد أن كانت الحكومة تمنع دخولها من غير أن تستوفي الرسوم والضرائب التي كان الحوثي يتحصلها.


 


وفي الإحاطة حديث عن القصف الجوي المتبادل، وعن تدني الخروقات الأمنية والاشتباكات في محافظات الحديدة، بما يعتبره إنجازاً مهماً في تنفيذ اتفاق ستوكهولم الذي وقعت عنده الحكومة الشرعية في مطب كبير، سواء بقبولها مبدأ تجزئة الحل أو الموافقة على إعادة الانتشار، وليس الانسحاب الذي تتضمنه جوهر قرارات مجلس الأمن للتمسك بوحدة واستقرار اليمن في ظل الحكومة الشرعية.


 


ولا سبيل إلى إنكار أن من مصلحة الشعب اليمني أن ترفع عنه المعاناة مع وجود تباشير بحل نهائي يحفظ وحدة البلاد، ويوطد استقرارها، لكن الحقيقة أنه لا تباشير ولا خرائط واضحة للمستقبل يفصح عنها جريفيث أو وزير الخارجية البريطانية الذي يتحدث كثيراً عن النزاع في اليمن في ما يوحي أن بلاده هي التي تمسك بالملف.


 


يبدو المبعوث الأممي مناوراً بارعاً يضمر غير ما يبطن، لكن هذا ليس موقفه الشخصي بالتأكيد، فالذين يستمعون إليه في مجلس الأمن يتقبلون كلامه بالصمت أو بالتقدير، ولا يمكن القول: إنهم سذج بطبائعهم، أو أنهم لا يمثلون حكومات تبني مواقفها من القضايا الساخنة أو الباردة في العالم بواسطة أجهزة متعددة ليس أولها مراكز الأبحاث ولا آخرها أجهزة الاستخبارات ووزارات الخارجية.


 


يدفع هذا إلى اليقين أن ثمة شيئاً وراء هذا الضباب الكثيف، شيئاً لا تخفيه المواقف المعلنة المعطرة بأندى الكلمات، وليس هذا من قبيل التشاؤم بقدر ما هو قراءة للحقائق القائلة بأن التسوية صعبة، وأن الأقرب إلى الاحتمال هو الافتراق، لكن دون طلاق نهائي، ذلك أن القوى الطافية في المشهد سوف تحمل في الضمائر وفي مكنونات النفوس الرغبة في الاستحواذ بالمصالح وشهوات الانتقام ورغبات في القتل.


 


إن أي تسوية يجب أن تقوم على استعداد الأطراف بأن تتنازل عن بعض شروطها ومطالبها، وأن تلتقي معاً عند نقطة على الطريق الذي كان فاصلاً بين رغباتها وإراداتها، ذلك بعد أن كان كل طرف يسعى إلى سحق الآخر كي يفرض عليه استسلاماً، ثم وجد نفسه يحاول أن يقطع أطول شوط لاجتياز أطول مسافة لكي يفرض أقصى الشروط، ويقدم أقل التنازلات، لكن عند هذه النقطة لا تحسم المكاسب بما أنجزه السلاح، وإنما أيضاً ببراعة استخدام الأوراق على طاولة التفاوض.


 


في النزاع اليمني تغير المشهد بشكل صارم، وظهر طرف لم يحسب حسابه، على الرغم من أنه كان ظاهراً للعيان قبل أن تشتعل النار ويخيم الدخان منذ 2011، ذلك هو الحراك الجنوبي الذي انبثق من محنة عاشها الجنوب بعد وحدة 1990، واستطاع أن يكرس نفسه في أطر عسكرية وتنظيمية يقودها المجلس الانتقالي، وكذلك لم نعد أمام نزاع فتح ملفه بعد 2014، إذ أعيد إحياء ملف لم يغلق في 1994.


 


لقد تعددت الطرق وتاهت القوافل، والاتفاق في ستوكهولم لم ينفذ، كما أن اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي والحكومة يتلكأ في تنفيذ بنوده في المواعيد المحددة، وربما تحصل جولات تفاوض قادمة، بحسب ما قال جريفيث، لكن المؤكد أن الأطراف كلها متشبثة بمواقعها ومواقفها.


 


*نقلاً عن: الخليج


 


 

Exit mobile version