مقالات

الحرب.. نسكب فيها دم الأبناء والطغاة يقبضون الثمن

 


 


كل سياسة خاطئة ترش جراح الأزمات بملح وبارود، وتفضي إلى حرب، وكل حرب تعقلنها السياسة، وتقود الخصوم من جولات مواجهة بالرصاص، إلى طاولات الحلول الوسط.


 


في اليمن لا توجد سياسة، في اليمن تم تجريف العقول وتصحير وتجفيف السياسة، في اليمن لا حل بالسياسة، ولا حل أيضاً بالحرب، لاحوار يقود إلى سلام عبر مفاوضات ضرب النار، ولا تسوية ممكنة عبر كمائن ومتارس الدشم.


 


في اليمن، ما لم يدخل في المعادلة، طرف ثالث هو الشعب، بأغلبيته الصامتة المضارة، فلن نطوي صفحة الحرب، لن نقلب طاولة التوازنات، وننتصر على الموت ولو بعد مئة سنة.


 


جميع بنادقنا ليست لنا، جميع أهدافنا المعلنة ليست ملكنا، جميع قراءاتنا، لم تنبتها تربتنا، جميع مخططات ومجسمات وتصورات ما بعد دورات القتل تلك، ليست من بنات أفكارنا، جميع القتلى فقط هم لنا، جميع الأحزان، فقط هي ملكنا، جميع إحراق الأمهات، هي خاصتنا، جميع الأسِّرة الباردة، التي هجرها الرجال، تعود ملكية أحزانها لنا.


 


ما عدا ذلك نحن بندقية إيجار وكتف رماية، جميع المصالح والعائدات لهم، نحن فيها مقاولو الباطن، هم حصالات الأرباح الصافية الناجزة، هم رابحون من دمنا، دون أن تسفك منهم قطرة دم واحدة.


 


أوقفوا مصالح الإقليم، سووا نقاط الاختلاف، كي توقف الحرب، نحن نسكب فيها دم الأبناء، وطغاة الحكم والحرب والسياسة، يقبضون الثمن.


 


إلى قادة الأمم، أوقفوا الحرب، إنها ليست حربنا.


 


فحين يتشرذم الوجع يخلف فراغات، يمكن اللعب في مساحاتها، ليصنع الطغاة صولجاناتهم.


 


حين يتأطر الجوع وينتظم بهياكل ومؤسسات، فإنه يتخطى حاجز الخوف، يكسر خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء، يغادر مربع المراوحة واللا مكان، يخطو إلى الأمام ولا خطوة إلى الوراء، يضع بصمته ويصنع الانتصار.


 


ليتأطر الجوع في كل البلاد، وليكتب خطابه، بما تيسر من آيات غضب منزلات مرسلات، نحو اللصوص.


 


مبارك أنت أيها الرغيف ومقدس أنت، حين تفك عقدة الألسن وتصنع رفضاً وتغييراً وثورة.


 


* * *


 


“نحن في زمن الحرب بحاجة إلى خطاب مختلف”..


 


حاضر صديقي إليك هذا المختلف:


 


 أيها الناس الجوعى، أجلوا موتكم جوعاً إلى ما بعد الانتصار، أوقفوا مطالبتكم بحقوقكم الضائعة إلى ما بعد الانتصار، أجلوا فرش سفرة الطعام إلى ما بعد الانتصار، أطعموا أطفالكم خبز الخطابة، وبيانات خبز الطاوة الساخنة، أرضعوهم البطولات.


 


أيها الناس، اصمتوا، اربطوا حجراً على بطونكم، الحرب ليس خبزاً وتظاهرات، ليس راتباً مستحقاً، مهاجراً منذ خمس سنوات عجاف، الحرب رصاص ورجال ومقابر، عندما تنطق البندقية، فلتصمت الأمعاء الجائعة، فليخرس صراخ الأطفال، ولنؤجل رضعة الصغير إلى ما بعد حسم المعركة.


 


* * *


 


من علامات وشروط الإيمان النطق بالشهادتين، ومن سمات صوابية الفرد وصلاحه، أن ينطق بقسم الطاعة والبيعة للأمير والمرشد، على مصحف ومسدس، وولاء الشراكة بالعسر واليسر، بالمنشط والمكره والقتل.


 


* * *


 


“خالد سلمان جاء لتنفيذ مهمة”..


 


التعامل مع الأصدقاء في الإصلاح، أصبح عملاً شاقاً وشائكاً، ومهما قلت، تبقى العمالة جبهة ملتصقة بها كعلامة تشبه سيماء الصلاة.


 


فقط اخلع نفسك من نفسك، وارتديهم فكراً أكان حقاً أو ضلالاً، اقتفِ أثرهم وكن فرداً من جند الأمير، وقلماً في بلاط صاحب الخلافة، الناطق باسم الجلالة.


 


ما هكذا أصدقاء تقاس الأمور، كونوا بخلاء قليلاً، أمسكوا أياديكم وألسنتكم من توزيع الاتهامات، قتروا في توزيع صكوك الإدانات، واحراز الخيانة، وكونوا كرماء بحسن الظن، بمن معكم لم يتساوق، وعنكم اختلف.


 


أصدقائي في الله الإصلاحيين، هل الشتيمة من نواقض الوضوء لديكم، أم هي صلاة وتر ونوافل فرض وعبادة؟


 


ربما إن كانت موجهة للخصم من خارج القطيع فهي عبادة وتقرب خالص لله، وإن كانت لعضو داعشي قاعدي إصلاحي، فهي مكروهة كراهة التحريم.


 


وسط سيل كل هذا القرف الإصلاحي، مرة أخرى نحن بحاجة إلى بوليس آداب، أمام كل مسجد إصلاحي، وهراوة شرطي في فم كل لعان إصلاحي ماجن أثيم.


 


* * *


 


علموا ناسكم ثقافة الحوار، علموهم ثقافة الاختلاف، علموهم أن من سمات قوة الحجة، عدم السفه والابتذال، علموهم أن الحياة في السياسة، لا تقبل اللون الواحد، الرأي الواحد، احتكار الحقيقة من طرف واحد، علموهم كل ذلك في مقرات أحزابكم، بعيداً عن مشايخ ثقافة ما قبل هذا العصر، علموهم رحابة التنوع، خير من شحن حلقات الكراهية، ضد المغاير حد القتل.


 


لا تعلموا أعضاءكم ركوب الخيل والدبابة، والتنشين بالجبهة بين العينين، دون ملي هامش خطأ، علمه كيف يقرأ كتب الحب، كي يجلي الصدأ عن مشاعره، كيف يتغنى بشال حرير، على عنق سيدة، كيف يتأمل بصوفية روح، جمال وجه امرأة.


 


لا تعلمه القتل، بل كيف يزرع في حديقة الروح زهرة قرنفل وضمة ورد وسوسنة، كيف يغتسل من حمامات الدم، العالقة في مسامات العقل منذ التنشئة، علمه كيف يبتسم للجمال، ويكشر في وجه حصة التدريب على القتل، ويرفض إله الاغتيال ودين الرصاص.


 

زر الذهاب إلى الأعلى