مقالات

شيء عن 11 فبراير

 


 


 


تقاس الثورات بمآلاتها وتحسين الواقع الجديد وليس بحجم الكوارث التي خرجت من أجلها، لا سيما عندما تكون جلبت كوارث أشد.


 


وإعلان فشل ثورة ما لا يعني إلغاء مبررات قيامها ولا تخوين من قاموا بها، وفي كل الحالات فإن دراسة أسباب فشل ثورة ما ونجاح أخرى هو الأهم بالدراسة والتمحيص.


 


ولعل من أهم أسباب فشل طموحات فبراير العريضة والانتهاء لهذا المأزق والحرب أسباباً سياسية واقتصادية داخلية وخارجية، لكن ربما هناك أسباب أهم من ذلك كله هي ركوب القوى الثورية المضادة لموجات الثورة واشتراك اليمين الديني وحركات التطرف فيها وهذا الأخير هو السبب الرئيسي لفشل 11 فبرير اليمن.


 


وباختصار شديد، لم تكن هناك قوى ثورية خالصة بل كانت أشتاتاً من قوى مضادة وقوى فساد ويمين ديني وانتهازي مع خليط من الشباب والمجتمع الغاضب، وهذا الخليط في حد ذاته كفيل أن لا ينتج منتجاً ثورياً أو دولة في حدها الأدنى، وإذا اضفنا إلى ذلك عدم وجود قوة حزبية أو غيرها جاهزة لتسيير الأمور إلى الأفضل أو بمقدورها الإمساك بزمام الأمور بعد الثورة، وهذا في حد ذاته كارثة، كيف تقود ثورة إلى مجاهيل من اللا دولة؟


 


إن مسألة التثوير في حد ذاته ليس هدفاً ولا غاية بل وسيلة وقتية للانتقال إلى وضع جديد بشروط جديدة وعقد جديد وآليات وبرامج جاهزة راسخة مقدورة الوصول للتنفيذ، وما عدا ذلك هو قفز إلى هاوية.


 


لم يكن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل على خطأ عندما وصف الثورة باليمن بأنها عملية تثوير قد لا تنجح، لأن هناك قبيلة تريد أن تصبح دولة بدون شروط وعلى طريقتها الخاصة، وغضب منه حينها الكثير.


 


إن أبسط مراجعات لثورة فبراير تفضي إلى الاعتراف بالخطأ وعدم الركون مجدداً للقوى التي صرفت السيل عن مساره والثورة عن أهدافها وركبت الموجة وحولتها من ثورة إلى غزوة وحرب وتكسب ووراثة وفساد أكثر بشاعة مما كان وأكثر سرعة وأدهى وأمر.


 


من نافلة القول إن هناك ظروفاً حقيقية استدعت فبراير وجعلته قدراً محتوماً، حيث شكل تراكم الفساد ضرورة حتمية للانفجار، ولكن ألم يكن من الأفضل إصلاح النظام بدلاً من هدمه والتدافع معه لتحسين شروط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا سيما وهو في وضع ضعف وهناك إمكانية للاستحابة في تلك اللحظة؟


 


هناك تفاصيل كثيرة بحاجة إلى مراجعة، وأخذ العبرة والدروس.


 


قد يقول قائل: وما الفائدة من تلك المراجعات الآن وقد وقع الفأس في الرأس؟ وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟ لقد حلت الكارثة التاريخية.. وهذا القول ليس وجيهاً، فالمراجعات ليست من أجل الحاضر فقط، بل من أجل المستقبل لأجيال من حقها العيش وعدم الانزلاق لمآسٍ جديدة بعد التعافي من الحرب.


 


كما أن المراجعات جزء من كتابة التاريخ للأحداث وختامها، والأمور بخواتيمها، ذلك أن ما كُتب عن فبراير في بداياتها سيختلف عما يمكن أن نكتبه الآن وبالجمع بين الاثنين يستنطق التاريخ وتؤخذ الخلاصات والاستنتاجات.


 


وهذا الأمر واجب وطني، كما أنه أخلاقي.. خاصة ممن ينسبون إلى الثورة..


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى