ما الجديد المثير في القضية اليمنية؟
سؤال لا يكف عن التحرش بالناعمين النائمين في الفنادق، وقد يتحرش بالكثير من المرابطين في الخنادق، أعني الذين حولوا المواقع إلى فنادق للهو. ذلك لا يمنع من توجيه التحية للذين حافظوا على شرف الجندية.
وهل يجوز القول بأن السؤال يتحرش بهؤلاء وأولئك؟
المشكلة أن الصلة ليست مباشرة بين السائل والمجيب، وأن المسألة معكوسة تماماً، فهم يجيبون على أسئلتنا قبل أن نطرحها، ويظهر مما يقولون كما لو أن الأسئلة متحرشة، ذلك أن الكلام الذي يتطوعون به يجمع بين المراوغة والغنج والكذب الصريح.
الجديد الوحيد المقنع في الأيام الأخيرة، هو الاتفاق على تبادل الأسرى، رغم أنه قد تحدث مماطلة من قل الأطراف، لكنها لن تلبث كثيراً، لأن كلاً منهم حريص على تحرير أسراه. ذلك إنجاز يتفاخر به مارتن غريفيث، وإن كان لجهوده إنجاز آخر يسره في نفسه، وهو إيصال اليمن إلى حالة يستحيل عندها العودة إلى السلام والوئام والوحدة الوطنية. بل لقد اعترف بفشله في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن.
إن تبادل الأسرى هو الثمرة الوحيدة لاتفاق ستوكهولم، وأما غيرها فلن تحصد الحكومة سوى قبض الريح. ولقد نتذكر أن أخبار الجنرال الهندي المكلف بترتيب إعادة انتشار القوات في الحديدة ومحيطها، اختفت من الأخبار، ولم نعد نسمع سوى عن الألمانية التي لا تقوى على شيء. من قبله أخفق الهولندي والدنماركي، ورحلا في ضوء النهار، أما هو فقد اختفى وذاب كفص الملح، ولم يتكلم أحد. لم تقل الحكومة إن ستوكهولم انتهى، وأنها عازمة على تحرير الحديدة وموانئها الثلاثة التي تتدفق إليها الأسلحة.
قد نقول إن هذا جديد آخر، حيث باتت قوات الحوثي قادرة على إسقاط أحدث الطائرات التي تملكها قوات التحالف، وكذلك توجيه الضربات المتتالية للمدن السعودية. وعلى جميع الجبهات لم تعد القوات الحكومية في حالة هجوم، ففي الأخبار أن القوات على الساحل الغربي تتصدى لهجمات الحوثيين، كذلك في الجوف وصرواح وغيرها. ولا تفسير لمجريات الحرب في تهامة، غير أن الحوثي مزق الاتفاق، وراح يهاجم ويقتحم. والمصيبة أن القوات هناك لا تتبع الشرعية، ولا تعترف بها، وتقدم نفسها كما لو أنها معلقة بالهواء، لديها قادتها وناطقها الرسمي. تماماً مثلما أن لجيش الشرعية ناطقه الرسمي.
الحق أن ذلك الناطق هو الذي يثير أسئلة التحرش، إذ يخبرنا كل يوم عن إحراز انتصارات للجيش، وتقدم على جميع الجبهات، ثم لا نجد إلا أن الجيش عاد القهقرى. ولا يخجل المتحدث عن مناشدة الصليب الأحمر أن يحمل جثث الحوثيين المتناثرة على جبهة نهم – الجوف – مأرب. وهو لا يقول شيئاً مفيداً هنا، غير محاولة إيهام اليمنيين بأن جيشه حقق انتصارات باهرة، بينما هو في الواقع يفر لاعقاً مرارة الهزيمة. والواضح أن هذا المتحدث لا يفهم مطلقاً في فن الحرب، فإن تدمير قوات العدو وسيلة وليست غاية.
إن الهدف النهائي في أية حرب، هو إلحاق الهزيمة بالعدو بالاستيلاء على الأرض، وإجباره على الاستسلام بصرف النظر عن مدى التدمير والخسائر المادية والبشرية. ولقد يضحكنا هذا المتحدث عندما يطلق تصريحاً يعيب فيه على الحوثيين أنهم يلحقون شباباً بالكليات العسكرية، ويخرجونهم بعد شهور برتبة الملازم، وأنهم بهذا يخطئون ويهينون التقاليد العسكرية.
يريد المتحدث الرسمي من عدوه أن يعد له جيشاً مدرباً وقادراً على أن ينتصر عليه ويسحقه. ولا تفسير لذلك سوى الحيرة بين إن كانت هذه خيانة أم أنه الغباء. هل يشتغل هذا مع الحوثي تحت لواء الشرعية، أم أنه عاجز عن التفكير إلى هذه الدرجة؟ لكن هي تصريحاته تدل عليه.
المرارة أنهم يتقنون الهزيمة، على حد التعبير البليغ لفيديل كاسترو.
ولا شيء أسوأ من تصريحات المتحدث باسم الجيش، غير ما يصدر عن وزير الإعلام ووكلاء وزارته الكثيرين. هؤلاء الذين يغطون بالنوم، لا يكفون عن مناداة المجتمع الدولي بمنع إيران من استباحة اليمن.
إن تسول النصر مهانة لليمنيين، واعتراف لإيران بأنها أرادت وصممت واستطاعت. وأظن أن أول ما يجب محوه من لغة السياسيين اليمنيين، هي تلك الكلمات المبتذلة عن الأجندة الإيرانية والمليشيات الإيرانية، هذه التي تتردد على لسان الناطقين الرسميين، سواء باسم الحكومة، أو بأسماء الجيوش المتعددة، وعلى ألسنة كل من هب ودب من قادة الوحدات وشيوخ القبائل.
لعله عار لا يحتمل أن نلقي بهزائمنا على دولة تحت الحصار، وأن نمنحها شهادة بالتفوق من غير علم ولا كتاب ولا تدبر. ولماذا لا نعترف أننا لا نقاتل، وأننا وقفنا في حالة انتظار كل هذه السنوات على جميع الجبهات، خلافاً لمبدأ قديم في استراتيجية الحرب.
هكذا رأينا الهوان من قبل، ونراه اليوم في الجوف، حيث تقاتل القبائل جحافل الحوثي بدون إسناد من الجيش، ما نقرأه ونسمعه في وسائل الإعلام.
ولقد حدث هذا في حجور عندما صمد رجالها شهوراً أمام تخاذل جيش الشرعية. ومثلما سقطت في النهاية، فإن سقوط الجوف شيء محقق، وبعدها سنقرأ السلام حيث العاصمة المؤقتة الحقيقية، ثم لن يجد الحوثي مشقة في الاستيلاء على شارع جمال بمدينة تعز، الذي يهدد قائد قوات الشرعية هناك بالتوجه نحو الساحل الغربي لتحريره من قوات العمالقة وحراس الجمهورية.
وهل ثمة جديد آخر؟ ربما هي الإحاطة الأخيرة للمبعوث الأممي الذي تجاهل تماماً كل المرجعيات القديمة، وطرح مقترح تشكيل حكومة مؤقتة من جميع الأطراف، بما يعني أنه لم يعد يقر بشرعية الحكومة المعترف بها.
*نقلاً عن: “المشاهد نت”