محور الممانعة العربي في مواجهة محاور الشر
تشكلت في الخمس السنوات الأخيرة ثلاثة محاور في المنطقة، تعكس خلاصة ما انتهى إليه الوضع السياسي والعسكري، ويدخل اليمن في دائرة الأوراق التي تتجاذبها هذه المحاور وتصنع فيها الأحداث.
ونحاول في عجالة ودون إطناب في التفاصيل، القراءة لهذه المحاور وما سوف تؤول إليه الأحداث في الشرق والمنطقة العربية واليمن على وجه الخصوص من خلال عناصر القوة والضعف في هذه المحاور.
المحور الأول: (محور تركيا وقطر والإخوان) هو ثلاثي تجمعه رؤية الإخوان وتموله قطر وتعمل على انتشاره وتوسعه تركيا.
هذا المحور هو نتيجة طبيعية لتراجع وانحسار دور الإخوان في المنطقة والهزائم التي حلت بها بعد قطع رأس الأفعى في مصر، ويعمل من منطلق الانتقام وإعادة التموضع من جديد. ويمتد من تركيا وقطر إلى اليمن والصومال وليبيا وتونس وسوريا، ويحاول أن يتواجد في العراق والمغرب العربي تحت لافتات مختلفة.
تتنوع وسائله بين القوة العسكرية إلى الماكينة الإعلامية الكبيرة ويعمل على تقويض الأمن والاستقرار بطرق مختلفة.
ويتنامى هذا الدور بعد انتهاج (الرئيس التركي) ارودغان لسياسة تتجه شرقا بعد فشله بالانضمام لنادي الاتحاد الأوروبي، والتنظير للعثمانية الجديدة باعتبار الشرق هي “تركة الرجل المريض” الذي تعافى وأمامه صعوبات لأن يحرز انتصارات ووقائع على الأرض باعتبار المعارضة الشعبية له في المنطقة بعد انكشاف طريقة حكم الإسلاميين وسقوط الشعارات.
ويتقاطع هذا المحور ويتكامل مع المحور الثاني: (محور إيران وحزب الله والحوثيين ومن يدور في فلكهم في العراق وسوريا وغيرها).
ورغم اختلاف الإرادات، إلا أن هناك مصالح مشتركة بين المحورين أهمها العداء المشترك.
المحور الثالث في المنطقة: (محور الممانعة والصد العربي متمثلا في السعودية والإمارات ومصر)، حيث يجد هذا المحور ملزما في الدفاع عن الوجود العربي ومصالحه بعد عجز اي قوة عربية عن عمل شيء بعد سقوط نظام صدام في العراق الذي كان يشكل حائط صد لاي غزو إيراني في الخليج والجزيرة العربية عموما.
وأمام هذا المحور تحديات هائلة في ظل مواجهته لمحورين لديهما أدوات داخل كل الدول العربية، تشكل نزاعات داخلية عميقة.
ولقد أثبتت الخمس السنوات الأخيرة بوضوح حجم الاحتراب العسكري والامني والاقتصادي لكل هذه المحاور، وفي ظل الاستقطاب الدولي للدول الكبرى تحديدا امريكا وبريطانيا وروسيا في دعم هذا المحور أو ذاك، وتناقض المصالح.
في ظل ذلك كله ازداد حجم التعقيدات لا سيما الدور الروسي الذي تربطه علاقات بالثلاثة المحاور المذكورة فيما يبدو تناقضا وازدواجا، وهو ليس كذلك أكثر منه انطلاقا من مصالح روسيا التي يديرها الرئيس بوتين بحرفية منقطعة النظير تجمع بين الشيء وضده، فهو حليف لإيران وصديق لمصر وتربطه علاقات بتركيا ومثلها مع السعودية والإمارات، على غير الموقف الأمريكي الذي ينحاز لمحور السعودية وحلفائها غالبا لا سيما في فترة حكم الجمهوريين وانتهاج سياسة مغايرة لما كان في عهد أوباما تجاه إيران والإسلام السياسي عموما.
أما بريطانيا المتذبذبة أحيانا فهي تلحق بالموقف الأمريكي غالبا وتغيب معالم رؤيتها للمنطقة وطبيعة الصراع. وهو ما يكشفه المندوب الأممي في اليمن مارتن غريفيث الذي يحاول استرضاء كل الأطراف بتحركاته وتقاريره واحاطاته التي يدبج فيها كلمات الشكر والعرفان للجميع دون مسوغ وحتى الحوثيين يجدون من المدح والإطراء في احاطاته مما يشعرهم أنهم دولة وليس مليشيات.
هذه المحاور التي ولدت من رحم الصراع وتناقض المصالح والاطماع وكانت اليمن في القلب من ذلك كله، يبدو أنها ستستمر لعقود طويلة، وستكون محرك كل الأحداث القادمة ولفترة زمنية طويلة ما لم تتغير الأنظمة الحاكمة في تركيا وإيران تحديدا، وإن كان ذلك يبدو قريبا في تركيا إلا أنه ليس يسيرا في إيران في ظل القبضة الأمنية والدينية الكبيرة التي تحتاج مخاضا عسيرا وطويلا للفكاك والخلاص، وما سواهم من دول صغيرة كقطر أو جماعات ارتزاق كالإخوان ستسقط ضمنا مع سقوط أحد الجسمين الرئيسين في محاور الشر والأطماع.
إن المهام والتحديات أمام محور الممانعة العربي كبيرة وممتدة وتحتاج إلى إصلاح في البيت العربي، واستقطاب دول عربية أخرى وإعادة شيء من اللحمة العربية مع التنسيق مع الجسم الإسلامي الكبير لا سيما دولة باكستان التي تتجه أنظار إيران وتركيا إليها باعتبارها قوة إضافية، يمكن الظفر بها من كلا المحورين وإن كانت أقرب للمحور العربي الممانع نظرا لمصالحها الاقتصادية المتجذرة في الخليج العربي ولمسار سياستها الخارجية منذ عقود.
ويمكن هنا الإشارة أن تعافي ليبيا وخلاصها من الانقسام ودعم مصر لها عسكريا وأمنيا، سيشكل إضافة قوية لما تشكله ليبيا من قوة اقتصادية هائلة وتأثير فعال في المغرب العربي وإفريقيا.
ولعل قادم الأيام سيشهد مزيداً من الأزمات والاشتباك بكل تمظهراته المختلفة في معظم البلاد العربية وفي طليعتها اليمن.
لقد تغيرت خارطة الصراعات والتجاذبات السياسة في السنوات الأخيرة، لكن أبرز هذه التغيرات وأهمها بامتياز هو انحسار مشروع الإسلام السياسي، إذا لم يكن موته السريري ولأجل غير مسمى، وسيبقى شبحه في إيران يصارع الحياة حتى حين، أما ما تبقى له من أذيال في تركيا وتونس فلن يطول به الأمر، حتما.
وسيبقى اليمن يصارع قدره المحتوم مع جماعة الإخوان والحوثي ويتدافع مع قدره المشؤوم في ما تبقى من جغرافيا تسيطر عليها كلا الجماعتين بعد أن نجا الجنوب من ويلاتهما معاً.
هكذا يبدو الأمر ويبدو المشهد العربي واليمني على وجه الخصوص في قادم السنوات.