في اليمن لم نجد حروباً بين الحق والباطل، العدل والظلم، المدنية والتخلف، لا ثنائية تضاد تجري حروبها هنا، بل هناك معارك تخلف ضد تخلف، ومذهب ماضوي ضد آخر موغلاً بانتمائه إلى معارك وفتن الصحابة، وحروب القرون الدامية الغابرة.
نحن نخوض على أرضنا معركة تأبيد الاستبداد الديني، أيا كان اسم ولون مذهبه، ومهما كان عنوان صندوق بريد المنتصر، نحن وحدنا من يخسر.
نحن أسرى مكبلون حتى الأعناق وما تحت الجمجمة، بسلاسل صراعات الأمس، صراعات لم تكن ذات صلة بِنَا، صراعات لم نخترها، أو نسوق لفصولها الدامية، صراعات ديناصورات الحكم، صراع الماضي ضد الماضي، الاستبداد السياسي والديني ضد الحرية. نحن جميعاً من دفع ثمنها، نحن من لا يزال يسدد أقساطها خصما من المستقبل.
نستطيع، وهنا أتحدث عن جيل الشباب في كل الأحزاب المدنية غير الممذهبة أو المؤدجلة بالدين، أن نكسر أقانيم وجزر العزلة، وجدران التنائي السياسي، نستطيع أن نؤسس قواعد عمل، أن نرسخ قيمنا المشتركة، مقطوعة الصِلة عن الماضي، أن نرسم معالم طريق للخلاص من هذا الجحيم، وإعادة بناء وطن العدل والحريّة والرحمة.
حين ترى أن الجحيم هو الآخر، المدني المختلف معك بالسياسة وليس بالحرب، حين ترى أن الثانوي هو الرئيس في زحمة التداخلات واشتباكات السياسة، حينها لن يكون الآخر وحده هو الجحيم بل أنت أيضاً.. شريكاً بهذا الجحيم.
لنخرج من هذا الحيوان الساكن فينا هذا الطوطم، لنكسر جدران العزلة، لنقتسم تبعات إرث الماضي، دون تحميل طرف دون سواه، نقتسم مسؤولية أحوالنا عن صناعته، وإن كان الحاكم هو الصانع الأول ونحن جميعاً ضحايا.
المستقبل حين يبتلعه الماضي، لن يبقي لنا منه شيء سوى اسمه.
الماضي مقصلة المستقبل، لنتحرر من سلطته النفسية الأخلاقية الضاغطة، ولتبدأ جميع الأحزاب بتأسيس تقارباتها، آلياتها وخطابها الحداثي التغييري المدني الجديد.
الخصومة السياسية التي تجردنا من إنسانيتنا، خصومة لا تليق بِنَا، خصومة بدوية متوحشة.