تحتفل المرأة في كل العالم بيوم الثامن من مارس كيوم عالمي لكل نساء العالم، ولم يكن اختيار هذا التاريخ صدفةً ولا حالة عشوائية بل لقد جاء نتيجة قرون من النضال الطويل من أجل نيل المرأة لحقوقها الحياتية ـ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أسوةً بأخيها الرجل.
في الثامن من مارس 1945م وفي أجواء ما قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية شهدت العاصمة الفرنسية باريس انعقاد المؤتمر الأول لاتحاد النساء الديمقراطي العالمي، الذي دشنته الحركة اليسارية العالمية، وجاء اختيار هذا اليوم بعد عقود من الحركة الاحتجاجية والإضرابية النسائية التي تمتد إلى منتصف القرن الثامن عشر، لكنه تحول في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم إلى يومٍ عالمي رسمي تمنح فيه بعض الدول كروسيا والصين وكوبا وغيرها إجازة رسمية للنساء العاملات.
في ظروف اللحظة الراهنة تتعدد أشكال ودوافع ومظاهر وشروط الاحتفال بهذا اليوم، تبعاً لظروف كل بلد ومستوى تطور الحياة فيها، وتبعا لتعقيدات اللحظة السياسية والاقتصادية لحياة المرأة، ففي البلدان المتطورة والمستقرة تقام احتفالات التكريم للنساء المتفوقات والمبدعات والعالمات والمفكرات والمربيات الجيدات، وفي بلدان أخرى تقيم النساء الفعاليات المطلبية التي تدعو إلى منح المزيد من الحقوق السياسية والاقتصادية للمرأة وتعويض النساء ضحايا القمع والظلم والقهر والتمييز، أما في أزمنة الحروب والنزاعات المسلحة فإن الاحتفاء بالثامن من مارس يمثل تحديا مثل تحدي إطفاء الحريق في منطقة تشتعل فيها النيران من جميع الجهات.
ما قبل العام 1990م كانت المرأة الجنوبية تحتفل بعيدها متجهة لتحقيق المزيد من الإنجازات المتمثلة بإضافة حقوق جديدة إلى الحقوق التي كانت قد حصلت عليها، ويكفي أن نتذكر أن دولة الجنوب الفتية محدودة الموارد كانت قد اقتربت من القضاء على الأمية وسخرت منظومة من القوانين التي تكفل حقوق متميزة للمرأة العاملة كالضمان الصحي والضمان الاجتماعي، ومنح إجازات الحمل والولادة مدفوعة الأجر، هذا بالإضافة إلى الحقوق السياسية والمدنية حيث فازت بعضوية مجلس الشعب والمجالس المحلية مئات الناشطات السياسيات، واقتحمت المرأة حينها ميدان العمل والمشاركة المجتمعية السياسية والثقافية والفنية والرياضية وغيرها من مجالات الإبداع.
وتجسدت كل تلك المنجزات والحقوق وجسدت منظومة قوانين تم تشريعها لتفدو التزامات واستحقاقات غير قابلة للتراجع او الانتقاص.
يقترن اليوم الاحتفاء بعيد المرأة العالمي في الجنوب وفي كل اليمن بظروفٍ لا يمكن وصفها إلا بالشائكة والمأساوية، فقد فرضت الانقلابات والحروب وما ارتبط بها من تراجعات في حقوق المرأة متطلبات واستحقاقات كانت قد حققتها الكثير من نساء العالم منذ أكثر من قرن ونصف، مثل الحماية من التعسف والتمييز وضمان حق التقاضي والتأمين الصحي والاجتماعي وغيرها، بل إن مطلبا مثل إعمال القانون وحماية الطفولة قد غدا أمنيةً بعيدة المنال بعد أن كان واقعا معاشا ذات زمن.
وبالمقابل إن المرأة الجنوبية قد برهنت قدرتها على التمسك بحقها وظلت جزءً فاعلا من معركة الثورة الجنوبية في وجه الاحتلال والقمع والتمييز، وعنصراً فاعلاً في التطلعات المستقبلية المشروعة للشعب الجنوبي في تقرير مصيره واستعادة دولته.
أحيي جميع الأمهات والاخوات والبنات الجنوبيات وهن يعشن يومهن العالمي في ظل انعدام العدالة وغياب القانون والحقوق، الذي غدا صنوا لغياب الماء والكهرباء والتطبيب والتعليم، واقول لهن معركتكن من اجل حقوقكن لن تطول فربع قرنٍ ونيف كان كافياً للبرهان على ان الحق لا يموت مهما توهم المتوهمون.
كل عام وانتن بخير