أنا انفصالي منفصل عن كل هذا السقم.
أنا انفصالي منفصل عن كل هذه الكانتونات الصغيرة.
أنا انفصالي منفصل عن كل المسميات الكبيرة القزمية الدلالة..
أنا انفصالي ضد الانفصال، أنا انفصالي ضد الوحدة المذهبية..
أنا انفصالي عن دولة علي ويزيد ومعاوية.
أنا انفصالي عن كل ترف اللغة العقيمة الزائدة، غير المتخففة من محسنات السجع والكلام.
أنا انفصالي، عن حكام الكآبة، عن شباب الحكم القادمين من صحن المسجد والزوايا، المسكونين بمسامات وجينات فكر الشيوخ.
أنا انفصالي عن الحرب العبثية، انفصالي عن هذه الحياة التي لا تستحق أن تعاش، في وطن الموت والرايات الحزينة..
أنا انفصالي عن الشجرة التي لعبت تحت ظلالها، وشكلتُ من تموجات ظلها ألعابي الطفولية، قمراً لصبايا فاتنات، وقرص خبز للجياع.
أنا انفصالي حتى التعب، من كل هذا اللغط الدسم بافرازات الكذب، والزيف والخداع..
أنا انفصالي عن الوشوش الرماد، عن الأقنعة والأصباغ، ورطانات الشفاة الصفراء الآلية الابتسام المؤتمتة..
انا انفصالي عنكم أيها الجياع الصامتون، الذين سرقتم كل عمري، واطعمتمونا الخيبة والظمأ والسراب.
أنا انفصالي لم يعد لدي فاقة حلم، طاقة أمنية وشباك تمنٍ.
أنا انفصالي عنكم جميعاً ايها الدراويش..
منفصل عن أول كتاب قرأته عن أول حقنة تمرد في منشور سري أحمر، خبأت حروفه الثائرة بين الأهداب والضلوع.
منفصل عن ذكريات أول قبلة ما زالت تحرقنا، تتحدى تجاعيد السنين، اول موعد غرام طفولي مراهق، عن أول جملة تصورت أنها ستصنع شراكاً لاقتناص ضحكة أجمل صبية، في حيّنا الفقير المزدحم ببيوت الطين ووجوه النحاس، وكل العيون المتنمرة من نكد العيش بالغضب، ضد كل شيء، ضد لا شيء..
أنا انفصالي عن السوس والقوارض والفراش الملونة.
منفصل عن غربان بستان الكمسري المتاخم لحينا حيث شهدت ولادة أول شجرة مريمرة كبرت معي، شخت أنا وما زالت تطرح اخضراراً، وضمات الورد الأحمر، ورد بلدي أطاح به أسفلت مستثمر بدوي، ينضح بالبداوة وروائح وسخ المال.
أنا انفصالي عنكم جميعاً، عن الأغنياء، عن الفقراء المقعدين عن الفعل، عن أغاني الشجن، عن بكاء الوطن، عن حناء العرس، عن سرادق العزاء،
أنا انفصالي عن هذه الجغرافيا المسمومة المقيتة..
أنا متلاش متماه مع الكون، متسق مع تمردات خيبات وأحلام خالد سلمان..
أنا لاعن للأشياء الوضيعة المترفة من الوطن الوهم، إلى الشطر السراب، ومتحد مع أنا القلقة المتوثبة غير الساكنة.