اليمن وكورونا.. علّها تولد لنا حياة جديدة من رحم المعاناة

 


 


 


قبل أكثر من سبع سنوات زارني أحد الأصدقاء ليواسيني فأعطاني وصفة للوقاية من المرض، حينها كنت أستمع إليه باهتمام كبير احتراماً لمشاعره، ولكني بعد أن مضى واجهت المرض باللا مبالاة، دون أن أعير نصائحه التي كان يسردها عليّ أي اهتمام.


 


بعد فترة مات صديقي هذا.. مات هو، مع أنه الأكثر حرصا على الحياة، وبقيت أنا رغم الإهمال واللا مبالاة التي هي فلسفة حياة بالنسبة لي.


 


صديق آخر أنقذت حياته باللا مبالاة.. كان هذا الصديق عاطلا عن العمل يسكن العزبة التي أعيش فيها. يومها قرر أن ينهي حياته بمادة سامة.


 


آنذاك اتصل علي مجموعة من الأصدقاء الذين يشاركوني نفس العزبة وأبلغوني بالأمر، وطلبوا مني أن أقابلهم عند المستشفى الذي قرروا أن يأخذوه إليه.


 


بينما كنت بطريقي إلى المستشفى الذي وصفوني أياه، لحظتها اتصلوا علي مرة أخرى وأبلغوني بأنهم قد غيروا وجهتهم إلى مستشفى آخر، لأن المستشفى الحكومي رفض قبوله كونه أجنبيا.


 


غيرت وجهتي أنا الآخر وذهبت نحو المستشفى التجاري الذي ذهبوا إليه.


 


هناك وجدت صديقي المنتحر يعوي ومن حوله مجموعة الأصدقاء عاجزون، محتارون، لا يدرون كيف يتصرفون. إذ إن المستشفى التجاري هو الآخر قد طلب مبلغ خمسة وعشرين ألف ريال سعودي تحت الحساب لقبوله بالعناية المركزة.. لم يكن لدينا حينها حتى ولو ربع هذا المبلغ فرفضوه.


 


طلبت من الأصدقاء أن نعود بصديقنا المنتحر إلى العزبة، لنبقيه هناك حتى ينال النهاية التي ابتغاها لحياته.


 


قلت لهم “هذا خياره وعلينا أن نتقبله رغما عنا”..


 


فعدنا به إلى العزبة وأخذنا كمية حليب من السوبر ماركت لنطفئ بها حرقة الوجع الذي كان يشكي منها.


 


عاجزين بقينا ننتظر موته فولد لصديقنا هذا عمر جديد ليغادرنا بعدها إلى اليمن وما زال يعيش إلى اليوم.


 


صديق ثالث كان يشاركني نفس العزبة، ذات يوم أخرجته منها محمولا على ظهري بعد أن سقط من شدة المرض..


 


ذهبنا به إلى المستشفى فقال الطبيب إنه يعاني من مرض خطير ويجب أن يخضع لعملية عاجلة..


 


عندما سمعنا الأرقام الفلكية التي علينا أن ندفعها لإجراء العملية، حينها غادرنا المستشفى ولم نعد، ليقرر صديقي الفقير أن يواجه الموت بشجاعة دون إجراء العملية لأنه لا يملك شيئا، ولأننا لا نملك شيئا لنساعده.


 


خرج إلى اليمن ليموت هناك ولكنه بقي حيا إلى اليوم ولم يمت.


 


نحن كيمنيين تعساء.. عندما أحدنا يحب الحياة ترفضه ويخطفه الموت، وعندما يحب احدنا الموت ويذهب إليه يرفضه الموت وتعود إليه الحياة من جديد رغما عنه.


 


دعونا اليوم كيمنيين نتفاءل لعلها تولد لنا حياة جديدة من رحم المعاناة.. لا تهلعوا كثيرا من “كورونا” فليس هناك ما يدعو للقلق.


 


لعل “الفايروس” يجبر المقاتلين على العودة إلى منازلهم، ويكون بداية لنهاية الحرب.


 


لا تهلعوا كثيرا، فليس هناك وباء بالتاريخ انتزع أرواح اليمنيين أكثر من الحرب!


 

Exit mobile version