تحديات السلام بعد معارك الحديدة

 


لا تزال ضراوة معارك الحديدة الواقعة في الساحل الغربي من اليمن تتراوح من يوم إلى آخر، وذلك بسبب حقول الألغام الواسعة التي زرعها الحوثيون في المنطقة، مما يعرقل تقدم قوات المقاومة الجنوبية المنخرطة في الجيش اليمني وعناصر المقاومة من أبناء الحديدة. ويرى كثير من المراقبين أن دعم قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية هو الذي سهّل الاختراق العسكري الذي تم في الحديدة في المعارك الأخيرة والذي لم يتحقق منذ ثلاث سنوات.


رأى بعض الإجابات حول توقيت اندلاع المعارك بضراوة في الحديدة أن الظروف الإقليمية والدولية أصبحت الآن مواتية أكثر من ذي قبل، ولهذا أُعطي الضوء الأخضر لشن العمليات العسكرية على مطار الحديدة، الذي هو ليس مجرد مطار مدني، بل ذو استخدامات عديدة. وتزامناً مع النجاحات العسكرية التي تحققت تم إعداد خطط إغاثة واسعة النطاق للاهتمامات الإنسانية من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما أوضح المندوبان الدائمان للبلدين لدى الأمم المتحدة في المؤتمر الصحافي الذي عقداه في نيويورك الأسبوع الماضي.


وبهذه الجهود الإنسانية يُرفع الحرج وما تلوكه بعض المصادر الخارجية عن دول التحالف حول التكلفة الإنسانية للانتصارات التي تتحقق في الحديدة.


وتزامناً مع المعارك العسكرية لم يستطع المبعوث الأممي مارتن غريفيث تقديم خطته الشاملة للسلام في اليمن، التي كان من المقرر تقديمها إلى مجلس الأمن الدولي في 18 يونيو (حزيران) الماضي كما وعد، واكتفى بعرض مشاوراته مع مختلف أطراف النزاع.


ويبدو أن حرب الحديدة أجّلت خطط المبعوث الأممي مارتن غريفيث، وبات الحديث الآن حول كيفية معالجة تطورات أحداث الحديدة. فالحوثيون لا يريدون التخلي ببساطة عن هذه المدينة التي تمثل بالنسبة إليهم أهمية قصوى كمنفذ بحري تصل عبره المعدات العسكرية، ومورد مادي كبير لما يحققونه من بيع مواد الإغاثة الإنسانية التي تصلهم من المجتمع الدولي.


وهناك أفكار مطروحة حول إمكانية وضع إدارة مدينة الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو الاقتراح الذي كانت الشرعية قد اقترحته في الأصل ورفضه الحوثيون، ولكن الآن تحت الضغوط العسكرية وانحسار هيمنة الحوثيين على الحديدة قد يتيح ذلك فرصاً أفضل للمبعوث الأممي للتوصل إلى صيغة ترضي الأطراف المختلفة.


ومن ناحية الشرعية، برز توافق بين موقف وزير الخارجية الجديد وموقف حكومته، فقد صرح وزير الخارجية الجديد خالد اليماني قبل نحو أسبوع قائلاً: «إن باب الدبلوماسية قد أُغلق تماماً». وكان اليماني قبل ذلك بفترة قصيرة مندوب اليمن الدائم في الأمم المتحدة. وأيدت هذا التصريح تغريدات وزير الخارجية اليمني السابق عبد الملك المخلافي والمستشار الحالي لرئيس الجمهورية، لجهة عدم التفاؤل في إمكانية إحراز المبعوث الأممي اتفاقاً مع الحوثيين بصورة عامة أو حول الحديدة بصفة خاصة.


وفي البيان الذي صدر عن الاجتماع الاستثنائي لمجلس الوزراء الذي ترأسه مؤخراً الرئيس عبد ربه منصور هادي في العاصمة المؤقتة عدن، تحدث هادي عن تأكيده عند لقائه المبعوث الأممي في جدة تمسك الشرعية بقرارات مجلس الأمن الدولي، وخصوصاً القرار رقم 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني. وهذا يعني بوضوح تمسكه أيضاً بالمبادرات السلمية لا الحرب من أجل الحرب، وبالتالي لم يُقفل الباب تماماً أمام الدبلوماسية.


الطريق إلى السلام عبر مساعي غريفيث قد يواجهه بعض الصعوبات، خصوصاً وفق ما تبرزه الأحداث الداخلية لبعض الأطراف الإقليمية الداعمة للحوثيين (مثل تركيا بقيادة إردوغان مع قطر وإيران). ولكن تمسك السعودية والإمارات بدعم الشرعية، وكذلك الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي بالحل السلمي، سيسهم بشكل عملي في تشجيع المندوب الأممي على تقديم خطته للسلام في اليمن قريباً من دون تأجيل أو تأخير.


 

Exit mobile version