ويبقى الأمل
قبل شهر الصوم المنقضي، وفي أثنائه تعالت الدعوات منطلقة من أعماق القلوب أن يتدارك الله سبحانه عباده من الحروب والنزاعات القائمة في أكثر من قطر عربي، وأن تتوقف أصوات المدافع لترتفع بدلاً عنها أصوات المؤذنين والمصلين، وأن تتجمد المدافع وتتحرك محاريب المساجد.
لكن الشهر الكريم انقضى والمعارك الدامية ناشبة تستنزف الدم البشري في حين استمر قادة المعارك في تجاهل كل صوت وتحدي كل دعوة إلى وقفة سلام يسترجع خلالها المتحاربون ما كانوا قد افتقدوه من وعيهم، وكأن الحروب التي تأكل البشر وتدمر الإمكانات قدر لا فرار منه ولا أمل في الخلاص من سطوته القاسية والمريرة.
وبدا الحال للمراقب للشأن الوطني والقومي أخطر مما هو عليه خلال النظر إلى مناطق أخرى من الوطن العربي مرشحة للدخول في دائرة تلك المعارك التي لم تسفر ولن تسفر سوى عن المزيد من الضحايا والدمار. ومسكين هو الإنسان العربي الذي تبددت أحلامه وطال انتظاره لأيام من الهدوء والاستقرار بما فيها تلك الأيام التي توصف بالفضيلة وترتبط في وجدان الشعب بأنها الأنقى والأكثر صفاء وإشراقا.
ويخطئ القارئ الذي قد لا يرى في الإشارات السالفة دعوة مباشرة وغير مباشرة إلى تحدي اليأس ومواجهة آثاره السلبية باتخاذ مواقف تمنع المزيد من التردي الذي توشك تداعياته أن تمتد إلى أجزاء من الوطن العربي لا تزال في مأمن أو بالأحرى شبه مأمن من الانزلاق واللحاق بالأجزاء المعطوبة والخاضعة للنزعات والنزوات الداخلية والخارجية.
إن التحذير من الوقوع في براثن الخلافات التي تبدأ محلية ومحدودة ثم تتوسع وتأخذ في وقت قصير أبعادها الإقليمية والدولية ليس دعوة إلى اليأس بل إيقاظ للوعي الذي يعاني تخلفاً وانسحاقاً تحت وطأة الظروف الأسوأ في انحدارها.
ولم يعد أمام حملة الأقلام الهادفة سوى أن نفضح الواقع الناتج عن الحروب المتناسخة التي تكتسح واقعنا العربي بعد أن انفرط العقد الجامع وصار كل قطر جزيرة توشك أن تنفرط هي الأخرى وتتحول بفضل غباء أهلها ومساندة أعدائها إلى مجموعة جزر لا لون لها ولا وجود.
وما ينبغي الإيمان به والتأكد من حقيقته أن مشكلات الوطن العربي – مهما تعاظمت وأخذت من الأبعاد الغامضة والخطيرة- لن تُحَل إلاَّ بأيدي أبنائه، ولا مكان لحلول مفروضة ومشبوهة يضعها الوسيط الدولي أو الإقليمي فقد انكشفت النوايا المستورة لهذا وذاك بما فيه الكفاية، وبعد سنوات وعقود من التجارب صار على الوطن العربي أن يعتمد على ذاته، وأن يركن إلى طليعة صادقة مخلصة من أبنائه لتدرس المشكلات التي يعانيها وتسارع في وضع التصورات والبدء بالخروج من هذا المناخ الخانق الذي وضع أمة عظيمة في ماضيها وحاضرها رهن قوى لا تجيد شيئاً سوى التفتيت وما في حكمها من حلول كسيحة عرجاء لا تضمن للمواطن العربي الحد الأدنى من الكرامة والحياة الإنسانية. ولا أسوأ ولا أشد غرابة من أقطار عربية كانت تسعى بإخلاص عميق إلى أن تتحد مع غيرها من الأقطار العربية الأخرى وإذا بها فجأة تقصر جهدها وطاقتها على الدعوة إلى تفتيت وحدتها وتمزيق هويتها الوطنية والقومية.
ومما تجدر الإشارة إليه، بل والتركيز عليه في حديث بعنوان «ويبقى الأمل» أن التفاؤل المجاني الذي لا يقوم على أسباب محددة وقواعد ثابتة ما هو إلاَّ الوجه الآخر لليأس، ولأقطارنا العربية معه تاريخ لا يطاله التجاهل ولا يدركه النسيان.