مقالات

«العَلَم» عند الحوثي.. من هو وما دوره؟

 


الأعلام – حسب كلام الحوثي – هم أشخاص معينين بأمر السماء ليكونوا قدوة المجتمع وحاملي راية الهادية فيه، لذلك يجب أن يلتف الناس حولهم، ولا يأخذون العلم والهداية إلا عنهم، ولا يلتفتون إلى أحد سواهم مهما بلغ من العلم والمكانة. وهم نوعان:


1- الأنبياء الذين يُعينهم الله لحمل رسالاته. وهذا من المسلمات في الملل الدينية، وإنما ذكرها ليهيئ بها عقول المتلقيّن حتى يَعبُر إلى النوع الثاني الذي هو مقصده، وهو محل الإشكال هنا.


2- أعلامٌ يُعيّنهم النبي لهداية الأمة وقيادتها، وليس لأحد أن يختار أعلاماً لنفسه يقتدي بهم، فالمسألة في نظره محسومة من قبل السماء، وليست مفتوحة! [1].


صحيح أن الحوثي لم يأت بجديد في عموم هذه الفكرة، وأن كثيراً من الاتجاهات الدينية وحركات الدين السياسي قد سبقته إلى مثلها بطريقة أو بأخرى، ولكن الفرق الذي تميز به: أنه جعل العَلَمية أمراً حتمياً من السماء، ولا تستقيم الحياة ولا ينفع العقل والقرآن بغيرها، ثم حصرها – على أساس عنصري – في أسرة معينة، كما سيأتي.


 وتختلف «العَلَمية» هنا عن «الإمامة الهادوية» بأنها لا تقتصر على الاختصاص بالقيادة السياسية والعسكرية؛ بل تمتد إلى احتكار الهداية الدينية والقدرة على فهم النص، والتّفرد بإمكانية الانتصار على الأعداء! [2]. وبالتالي ليس الشخص بحاجة إلى أن يكون إماً حتى يصبح عَلَماً؛ بل على الإمام أن يصبح عَلَماً لكي يكون إماماً! وبهذا أراد أن يلتف على شروط الإمامة عند «الهادوية» خصوصاً تلك المتعلقة بما يصفونه بالكمال العِلمي، الذي لا يتمتع به، لا هو ولا من يتوقع أن يخلفه [3].


ويرى الحوثي أنه لا يمكن أن يعرف أحد طريق الهداية إلا بتلك الأعلام، مهما كان عقلُه وذكاؤه ومعرفته. ومِنْ أخطر ما في هذا أنه يؤكد في كثير من ملازمه أن جميع الأنبياء وسائر كتب السماء لا فائدة منها إلا من خلال «العَلم» الذي يقدمها للناس، فهو وحده المخوّل بذلك، وإلا فستكون الأمور فوضى، فهداية القرآن وغير القرآن لا بد أن تمر عبر «العَلَم» وإلا فهي ضلالة وعمى. [4].


وهنا يُسَطّح المسألة لتجد طريقها إلى عقول البسطاء وعوام والمثقفين، فيحتج بأن المفسرين للقرآن أولوا القرآن بطريقة غير صحيحة، وعلماء الدين اختلفوا في الدين، ورواة الحديث قدموا أحاديث غير صحيح، وما ذلك – في نظره – إلا لأنهم تركوا «الأعلام»، أو اتخذوا لأنفسهم أعلاماً آخرين.


 بهذه الفكرة – التي ضخها الحوثي بمرطبات دينية – أراد الأخ أن يشكل جمهوراً من الأتباع المقلدين الذين لا يُجيدون سوى التّفنن في الطاعة العمياء، ليتحولوا إلى جيش يفرض واقعاً معيناً على الحياة، حتى أنه كان يشكوا من معارضتنا له ويعبر عنا في ملازمه بـ(فلان وفلان)، ويطلب ممن يناقشه من أصحابنا أو يعترض عليه أن يخرجوا من البلاد ويهاجروا ويتركونه يُقولب الناس كما يريد [5].


وهو ما تحقق له بالفعل، نتيجة جهل الناس، وغياب مؤسسات الدولة؛ واستهدافها (لما كان يُعرف بالشباب المؤمن، الخط المنافس يومها والرافض لما كان يطرح الحوثي)، بحجة أنهم من نفس الخلفية الدينية وفي نفس السياق التاريخي العام!


 ما تقدم كان عرضاً للفكرة مع توثيقها في الهامش، ومجرد العرض كاف عند كثير من العقلاء في الرد عليها؛ لأن أقل ما تعنيه أنه: لا عقلُ الإنسان، ولا وحي السماء، يمكن أن يقوده إلى الهداية، إلا بمقدار ما يوصله إلى معرفة العَلَم. وكذلك لا شيء من كثرة الدراسة والقراءة والبحث والتأمل يمكن أن يمنحه البَصيرة، وإنما عليه فقط أن يبحث عن «العَلَم»، ويُسلّم «للعلم»، ويطيع «العلم»، ويستغني – باتباع «العَلَم» – عن النّظر والنقاش وإعْمال المنطق وأصول الفقه ومناهج التفكير وأساليب ضبط الأخبار وتصحيح الروايات ومختلف أوجه المعرفة.


غير أنه لا يزال هنالك – للأسف – من يرى أنها فكرة صحيحة ديناً قياساً على عَلَميّة الأنبياء، وعملاً لكونها توحّد مرجعية الناس وتحميهم من التّفرق، والله لا يرضى لهم ذلك، لذلك سنكشف عوار فكرة العلمية بالآتي:


1- العلمية نوع من أنواع الصّنمية، التي جاء الإسلام ليقضي عليها، فحتى النبي أمره الله أن يُقدم نفسه كمبلغ فقط، ويتبرأ من صنمية العَلَمية بالمفهوم الذي قدمه الحوثي: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ .. فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} فتبرأ من خصوصية التَّمثل للحق، وأكد أنما هو مبلّغ، وأحال الناس إلى العمل.


2- فكرة العَلَمية، تتعارض مع طبيعة الخلق والتكوين، فـالله هو الذي {أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا.. وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فجعل تلك الأدوات وسيلة الإنسان في التعامل مع ما كُلف به إلى حيث انتهت به. ولم يكلف الإنسان بالانقياد المطلق حتى للأنبياء، فكيف بأعلام وهمية!


3- يَفترض الحوثي أنه يجب أن يكون الناس على رأي وفكرة واحدة، ويجب أن تكون تلك الفكرة فكرته هو؛ لأن ما عداها خطأ في نظره، كما هو رأيه في كثير من الصحابة والتابعين وأئمة العلم حتى أنه وصف بعض علماء الزيدية – الذي لم يكونون على مزاجه – بالمنحطين [6]. وبهذا يكون قد زاد من فُرقة الأمة واختلافها؛ بل لقد أدخل مجتمعنا الصغير في صراع وتشرذم وعداوات لا تنتهي، كما هو حاصل اليوم ببركات نظريته هذه.


4- تحدث عن أن النبي فقط هو من يُعين الأعلام وليست المسألة مفتوحة، وفي نفس الوقت اكتفى بمجرد الدعاوى وتوزيع الأعلام هو، فهذا في نظره علم هداية وذك علم ضلالة، ولم يورد شيئاً عن النبي يدل على علمية نَفسه التي يقدمها للمجتمع على هذا الأساس، ولا حتى على من سبقوه ممن يرى أنهم أعلام، واكتفى بما ورد في عموم أهل البيت، وهو ما سنناقشه باستفاضة لاحقاً.


5- استغل الأخ حسين الحوثي الخطاب الديني لتحقيق غرض سياسي، وهو تكوين جماعة لا واعية تتميز بالطاعة المطلقة للقائد، ليتمكن من الضرب بها أينما يريد، حتى أنها دون مبالاة قد تفعل ما يستنكره العقل وتستقبحه الفطرة وينص الدين على حُرمته، ما دام العَلَم قد جوزه أو سكت عنه. أما إذا أمرهم أن يقتلوا أنفسهم وأبناءهم وآباءهم فأمره لا يرد؛ لأنه عَلَم يعْلَم ما لا نعلم!


6- هو يدعي أنه من الزيدية، وهذه المسألة لا أساس لها عند الزيدية، فالزيدية لا يستخدمون هذا المصطلح، وهم مُطبقون على أن العَالِم والإمام مهما بلغا من العلم ليسا بحجة على أحد، ولا يتعين على أحد اتباعهما، حتى قال: الإمام زيد «والله ما ادعى أحد منَّا أن فينا إمام مفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين»[7]


وفي العلوم والمعارف يرون أنه يجب على كل قادر أن يجتهد في أصول الفقه وفروعه، والنظر في مسائل العقيدة على قدر علمه، حتى أن أول جملة في كتاب «متن الأزهار» تنص على أن: «التقليد في المسائل الفرعية العملية جائز لغير المجتهد» فقط.


 


◾ في المقال القادم سنناقش من هم الأعلام وكيفية التعرف عليهم حسب تقدير الأخ حسين الحوثي.


 


*من صفحة الكاتب على الفيس بوك


https://www.facebook.com/yemenalghadd/

زر الذهاب إلى الأعلى