بعد أن أكد وجوب اتباعهم وأنه لا يستقيم دين ولا دنيا إلا بوجودهم، ولا ينفع عقل ولا وحي إلا بهم، ذكر الأخ حسين الحوثي أن الأعلام لا يكونون إلا من «أهل البيت» فقط، وغيرهم لا يصلح للعَلَمية وإن تحققت فيه الصفة القرآنية للقدوة، كالرُّشد والقُدرة والكمال المعرفي والاستقامة والسبق بالخيرات.
وهنا يأتي دور «الولاية» التي شدد على أنها غير متروكة دون مقاييس إلهية، وأنها لا تكون إلا للأعلام من أهل البيت الذين نَصَّبهم الله للأمة [1]، ولا تكون إلا لواحد فقط، ويكون منهم فقط؛ لأنها – في نظره – ولاية لله التي توجب الاقتداء والطاعة[2].
وحول هذه المسألة يتمحور أكثر من 80% من ملازمه، ونحوها يتحرك نُشَاط أتباعه ودُعاتهم إلى اليوم، حتى أنما يمارسون من عمل عسكري ونشاط سياسي وإعلامي إنما يتحرك في إطار فكرة «الجهاد لتحقيق الولاية»، وتطبيقها، ليس على أتباعهم فقط؛ بل على العالم كله! ومن يستمع لمحاضراتهم وخطبهم، ويحضر ندوراتهم ومهرجاناتهم، ويشاهد ملصقاتهم، وبرامجهم الإعلامية، يجد هذه الصورة واضحة بجلاء.
وقبل الرد على هذه الدعاوى العريضة أود أن ألفت إلى أمرين اثنين:
1-أن هذه المسألة مسألة سياسية، برزت أيام الصراع الأموي الهاشمي في القرنين الأول والثاني الهجري، وقُدّمت في قوالب دينية، وشُحنت بها العصبيات، وفي ضوئها تم إنتاج قصص وروايات دينية أخرجتها عن إطارها السياسي وحشرتها في الإطار الديني، حتى صارت لدى كثير من الدارسين في المجال الديني من مسائل العَقَدية الفاصلة بين الحق والباطل، والنجاة والهلاك، وأولياء الله وأعداء الله!
وعلى هذه النّغمة اشتغل الحوثي بالأمس ويشتغل أنصاره اليوم، مستعينين بالموروث التاريخي المتداول كمسلمات دينية لا تُمَسّ، خصوصاً بعد فصلها عن سياقاتها الموضوعية التي كانت تصوّب مسارها وتوضح دلالتها.. كما سُخّرت لها آيات القرآن بالتأويل القسري، وكأن القرآن ما نزل إلا ليرسخ ثقافة: «أنا خير منه»، و«نحن أبناء الله وأحباؤه».
2- أننا نشعر بأن إصرار أنصار الحوثي على تسويق هذه الرؤية، وفرضها على حياة اليمنيين يُحَتّم علينا أن نناقشها بوضوح مهما كانت التّبعات، خصوصاً بعد أن صار لديهم جيشاً من المرشدين في أوساط العامة يروّجون لفكرة «العَلَم والولاية»، وباتوا يمتلكون قوة إعلامية ومالة هائلة، قد يستطيعون من خلالها مسخ جيل بأكمله، كما مسخ «الخمينيون» جزءاً كبيراً من شعب إيران الذي كان منارة للتقدم والرُّقي في منطقة الشرق الأوسط، حتى بات كثير منهم للأسف لا يجيدون سوى جَلْد أنفسهم في الشوارع، ولطم خدودهم كالمجانين.
في المقال القادم: سأبدأ في نقاش مسألة «أهل البيت» «الاصطفاء» «حديث الثقلين» «حديث السفينة» «حديث الولاية» «حديث الراية» ونحوها، في أبعادها السياسية وجذورها الفكرية ومساراتها التاريخية.. وسأحاول الإيجاز قدر المستطاع.