الحديدة: نهاية للحرب أم مدخل للسلام؟
رغم كآبة المصير الذي وصل إليه اليمنيون – منذ ما صار يعرف بالانقلاب الحوثي على شرعية الدولة، الذي بدأ في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ واستكملت فصوله في ٢١ يناير ٢٠١٥ -، فإن التوصل إلى صيغة اتفاق يسمح بإدارة مستقلة للميناء وإدارة محلية من أبناء المدينة قد يسمح بإنقاذها من معركة لا يختلف الخبراء العسكريون في توصيفها بأنها ستكون مدمرة وستضاعف من المعاناة الإنسانية على مجمل الساحة اليمنية التي فرضتها مناخات الحرب.
إذا ما تمكن السيد غريفيث من إقناع الأطراف بالصيغة المقترحة لتسليم الإدارة المدنية ومؤسساتها وإدارتها الأمنية إلى أبناء المنطقة، فقد يشكل تكرارا لما يحدث حالياً في مأرب وحضرموت، وتاليا سيكون تجربة لنموذج من الإدارات المحلية للمناطق المختلفة التي كان الحوثيون يسيطرون عليها، ثم استعادها التحالف منهم، مع أهمية التنبه إلى تفادي الأخطاء التي مازالت تحدث في عدن وبعض المحافظات الجنوبية، وخصوصا الغياب الطويل لكبار المسؤولين عن البلاد.
إن إطالة الأمد في الحروب الأهلية التي تعصف ببلدان مسكونة بالتناقضات المذهبية والنزاعات المناطقية، تنتج منطقا خاصا يكون من الصعب معه الانغماس في التفكير النمطي، الذي يتجاهل التعقيدات التي تراكمت خلال فترة زمنية قصيرة، ولا يأخذ بعين الاعتبار ما تسببت به الدماء من خلق حالات مستحدثة من الصراعات المحلية، وصارت هي الإطار البارز الذي تختفي خلفه الأحقاد والثأرات، ولعل ما يدور في تعز يمنح المتابعين نموذجا صارخا لما تسبب فيه اقتحام الحوثيين للمشهد المحلي وإيغالهم في خلق استقطابات محلية ساعد من تفاقم حدتها وقوف أنصار الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في خندق واحد معهم حتى يوم مقتله على يد الحوثيين في ٢ ديسمبر ٢٠١٧. وإذا كان واقع الاصطفافات السابقة قد تبدل بسبب غياب صالح فإن آثاره قد تجذرت لفترات طويلة قادمة. كما لا يجب تجاهل التنظيمات التي طفت على السطح وبعضها قادم من خارجها، وصار لها تأثير حاسم على ما يدور.
اعتادت النخب السياسية اليمنية التعامل مع معضلات البلاد مكتفية بالبحث عن الحلول الآنية التي تمنع مؤقتا الانفجار، ولكنها لا تسعى إلى تحفيز التفكير بحلول تنعكس على المستقبل البعيد، ومرد ذلك هو الكسل الذهني وقبل ذلك محاولة تحقيق أكبر المكاسب الذاتية من الأزمات المتكررة، وأعود إلى القول إن التعاون على إنجاح تجربة استعادة مدينة الحديدة لا يعفي الجميع من بذل الجهود لجعلها بداية لا نهاية، كي تصبح مسارا وطنيا شاملا، ولعل في نجاح الجهود في الحديدة ما يشجع على تكرارها في تعز وتسليمها إلى إدارة محلية يتفق أبناء المحافظة على هياكلها.
إن نهاية المعركة العسكرية – بالتفاوض أو بالقوة – للسيطرة على مدينة الحديدة والميناء لن تضع حدا نهائيا للحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات، ولكنها ستكون نقطة تحول فاصلة تفتح مسارا نحو السلام، وهذا بطبيعة الحال يعتمد على نجاح أو فشل المسعى الذي يقوده المبعوث الأممي مارتن غريفيث، ولقد أصبحت اليوم أكثر اقتناعا بأن التفكير في إيجاد حل فوري شامل للأزمة اليمنية صار ترفاً، وقد يكون من المفيد التواضع في الأحلام والانتقال إلى حلول تهتم بالمناطق الملتهبة مع استمرار الجهود لصيغة وطنية شاملة.