مقالات

ماذا في جعبة جريفيث من جديد؟

 


كثّف مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن جريفيث في الآونة الأخيرة من تحركاته ولقاءاته بأطراف الأزمة في اليمن، كانت آخرها في مدينة عدن التي وصلها أمس، وهي تحركات لقيت دعماً من الشرعية اليمنية، ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، الذي ينظر إلى هذه التحركات كونها محاولة للتوصل إلى مقاربات بشأن وسائل وطرق تطبيق قرارات الأمم المتحدة، خاصة بعد التطورات التي تشهدها مختلف جبهات القتال، والتي تشير إلى فقدان الانقلابيين السيطرة على المحافظات التي كانت تقع تحت أيديهم، ومن بينها الحديدة.


من المهم أن يلمس الشعب اليمني ثمار الدعم اللامحدود الذي تقدمه مختلف الأطراف الداخلية والخارجية لمهمة المبعوث الأممي، لكن هذا الدعم يجب ألا يكون مكافأة للانقلابيين الذين يحاولون بقدر الإمكان الحصول على ما لا يمكن تقديمه ولا يستحقونه أصلاً، وفوق ذلك خارج إطار قرارات الأمم المتحدة، إذ إن مهمة المبعوث الأممي لا تكمن في تقصي حقائق، بل في الضغط على الانقلابيين لتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالأزمة خاصة القرار 2216 لعام 2015 والمبادرة الخليجية لعام 2011 ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، التي أجمعت عليها مختلف القوى السياسية في 2014، والتي انقضت عليها جماعة الحوثي وتنكرت لها، وأقدمت على الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح في وقت لاحق من العام نفسه.


لهذا على المبعوث الأممي أن يزيل اللبس الحاصل بشأن طبيعة الحوار مع الانقلابيين، فالأصل هو إجبار الجماعة الحوثية على الانصياع لقرارات مجلس الأمن الدولي وليس الذهاب إلى حلول جزئية، وبالتالي تشطير قرارات مجلس الأمن عبر الحديث عن حلول للوضع في الحديدة وآخر للتسوية الشاملة، لأن ذلك يعني أن الأمم المتحدة تجزّئ الحلول ولا تطبقها، وهي خطوة من شأنها أن تشجع الانقلابيين على حرف المفاوضات عن مسارها الصحيح باتجاه إطالة الأزمة أملاً في الحصول على مكاسب سياسية من وراء هذا الموقف.


لقد تعامل التحالف العربي مع تحركات المبعوث الأممي بنوع من الشفافية في إطار حرص كامل على تجنيب المدنيين مخاطر الصراع الدامي، خاصة في ملف تحرير الحديدة، ومن بينها الميناء، الذي تستغله الجماعة الانقلابية لتهريب السلاح، حيث أبدى التحالف حرصاً على أرواح السكان المدنيين والبنية الإغاثية الهشة، لكن الجماعة الانقلابية قابلت ذلك بنوع من التعنت والصلف، من خلال الإصرار على تضمين رؤيتها للحل دون مراعاة للأوضاع الإنسانية التي تمر بها البلاد، فقد استرخصت الأرواح، بعد إقدامها على حفر الخنادق في الأحياء السكنية في الحديدة واتخذت من السكان المدنيين دروعاً بشرية وزرعت عشرات الآلاف من الألغام في المزارع والحقول والطرق وفجرت المدارس وجنّدت الأطفال وسخّرت إيرادات البلاد لصالح مشروعها التدميري، ما يؤكد النزعة الانتقامية لهذه الجماعة التي تجردت من كل القيم الإنسانية والوطنية.


لهذه الأسباب وغيرها على المبعوث الأممي أن يحمل للحوثيين وجهة نظر المجتمع الدولي، القاضية بضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن كما هي، وأن تكون عملية إنهاء الانقلاب في أولوية المباحثات وليس البحث عن «خريطة طريق جديدة»، لأن ذلك يكافئ الانقلابيين ويعيد الأزمة إلى نقطة الصفر.


 

زر الذهاب إلى الأعلى