قرين القرآن ..!!
وصفٌ أطلقه أتباع الحوثي على زعيمهم، وسطّروه – دون خجل – في لوحات عملاقة في مدن اليمن وقراها، وملأوا به وسائل إعلامهم، وضجوا به في المنابر والساحات..! وذلك يوفّر علينا جُهد الإثبات والتّوثيق.
وهذه الفكرة تأتي في نفس سياق «العَلَميّة والاصطفاء والأفضلية» لسلالة معينة، وهي لا تختلف عن تلك الدعاوى التي تعُج بالاستعلاء القادم من مدرسة: «أنَا خيرٌ مِنْه» والموروث عن ثقافة: {نحنُ أبْناءُ اللهِ وأحِبَّاؤه}.
وللأسف ظل الأخ حسين الحوثي يُعيد تلك الأفكار ويكررها في «ملازمه» بأساليب وكيفيَّات مختلفة، ليفرضها في أذهان الناس كقَدَر عليهم أن يسلموا به ولا يجادلوا فيه، وإن كانت مجافية لروح الإسلام؛ بل جاء لينسفها، بـ{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.
إن دعوى اقتران أي شخص أو جماعة بالقرآن من حيث الدور، هي دعوى مهووسة بجنون العظمة لا غير، وهي مرفوضة مردودة بمنطق العقل والدين ونصوص القرآن وسيرة نبي الإسلام..
أولاً: نحن نعرف جميعاً أن أركان الرسالة أربعة: مُرْسِل، ورِسَالة، ورَسُول، ومُرْسَل إليه.. فالمرسل هو الله. والرسالة هي ما تَضَمّنه القرآن. والرسول هو النبي. والمُرْسَل إليه وهم الأمة. ولكل من هؤلاء صفة ودَوْر، ولا يصح أن يقال: إن أحدهما قرينٌ للآخر في دوره، ولا قائمٌ بوظيفته أو مكملٌ لنقصها.
ثانياً: أكد القرآن على أنه هو المرجع والمُستَمْسك الوحيد لهذا الدين، وفيه قال الله للنبي: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}، وأكد أن {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}، فالنبي مُتَّبَع مُبلِّغ للقرآن، ونحن نتبع النبي فيما جاء به عن الله؛ لأنه رسول الله، عصمه من الخطأ في تبلغ الشريعة.. فلا النبي قرين القرآن في دوره، ولا أحد من الصحابة وأهل البيت قرين للنبي في دوره.
ثالثاً: لم يدّع النبي يوماً أنه قَرِينٌ للقرآن؛ بل أمره الله بأن {قل: إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي… قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ}، وعلى سبيل الأمر الجازم قال له: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ… اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ…إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}. فإذا كان ذلك حال حامل الرسالة ومُبلغها، فكيف بغيره من المُرسَل إليهم!!
رابعاً: الأحاديث والقصص التي استدل بها الأخ حسين الحوثي على مسألة «الاقتران» (مثل حديث الثقلين، وحديث علي مع الحق، وحديث الراية، وحديث الغدير، ونحوها) فيها تلبيس وتغرير على العوام وبسطاء الوُعّاظ والقُرّاء، إما بتصحيح ما ليس صحيحاً منها، وإما بفصل ما هو صحيح عن سياقه الموضوعي وتركيبه في سياق آخر ليؤدي الغَرَض المطلوب، جرياً على ما ورد في بعض كتب الجدل التاريخي، دون مُراجعة وتدقيق.. ونظراً لتركيز الأخ حسين وأتباعه على تلك الأحاديث، فإننا سنفرد لكل منها مقالاً خاصاً، وللقراء والباحثين والعلماء والنقّاد حكمهم.
خامساً: ليس بإمكان أنصار الحوثي التلبيس هنا بأنهم إنما يقصدون: أن زعيمهم هو المختص اليومَ بحمل القرآن إلى الناس؛ لأن تلك كارثة أيضاً، ووصفهم له بأنه «قرين القرآن» يقتضي أن يكون مثل القرآن أو أن القرآن لا ينفع إلا معه، كما صرح بذلك وأكده في مواضع كثيرة وبعبارات واضحة. فإذا رجعوا عن تلك الفكرة، فعليهم أن يُصلحوا خطأهم عَلَناً، تجنباً للتغرير على الناس.
*لهذا الموضوع بقية تتعلق بكيفية تقديم الحوثي لمسألة الاقتران وما الذي أرادَ بها، وهل هي صفة لمجموع أهل البيت أم لأفراد منهم.