مقالات

لقالوا له: يا سيد…

 


عبد الملك الحوثي أغار بجحافله على المحافظات الجنوبية، فأخرجت منها عنوة دون أن ينال المراد، وما يزال هو ومساعدوه يتذكرون مأساتهم الكبيرة، ويقولون إن خمسة عشر ألفاً من تلك الجحافل قتلوا ودفنوا في رمال مناطق البساتين والفيوش وبير أحمد، وحدها.. وبالطبع لا يعترفون بالكلفة البشرية والمادية التي دفعتها عدن بسبب مغامرتهم المجنونة.. الآن يرون المشهد نفسه في تهامة، ومع ذلك يكابرون، ويعوضون عن القتلى بتجنيد وتسليح شباب، ودفعهم للمحرقة التهامية.. لكن مهما كان الذي أراده الحوثي ومساعدوه من تهامة، لن ينالوه، وفي نهاية المطاف سيخرجون منها، كما خرجوا من عدن، باستثناء أن الكلفة هذه المرة سوف تكون مضاعفة.


أمارات الهزيمة التي لا مهرب منها في مختلف بلاد التهايم تبدو أمام الحوثي ومساعديه ومستشاريه واضحة كفاية.. ومع ذلك لا يبدو أن لدى عبد الملك الحوثي مستشارين ومساعدين عاقلين شجعاناً، يقولون له راجع عقلك، هذا لو كان له عقل في الأصل لم يفسدوه بعد.. لقالوا له: يا سيد عبد الملك مر من تبقى من مسلحي اللجان الشعبية والمشرفين بمغادرة كل رقعة من أرض تهامة ما يزالون فيها حتى هذه اللحظة.. بيننا وبين التهاميين خلاف أو اختلاف كبير نعرف أسبابه ومظاهره وعمقه التاريخي، وأقربه إلى الأذهان الوقائع التي جرت بين رجال قبيلة الزرانيق وجيوش الإمام يحيى بن حميد الدين الجرارة، عقب قيام الأتراك بتسليم صنعاء له واستمرت إلى عام 1928.. لكن آثارها في النفوس باقية.


ولقالوا له: يا سيد عبد الملك، بين تهامة وصعدة أبعد مما صنع النجار، فلن تلتقيا، ولم تلتقيا في أي مرحلة من مراحل التاريخ اليمني.. لقد غابت عنا هذه الحقيقة يوم قررت إرسال المقاتلين والمشرفين الأجلاف النهابة القتلة، إلى التهايم.. أبو موسى الأشعري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان قد خرج من زبيد في بواكير الدعوة الإسلامية يتقدم وفد قبيلة الأشاعرة المؤمنين الذين وصفهم الرسول الكريم بالأرقِّ قلوبا والألين افئدة.. وثناء الرسول على اليمنيين إنما بدأ من ثنائه على التهاميين وفي مقدمتهم الأشاعرة.. فلماذا أرسلت إليهم المقاتلين والمشرفين الهمج الجهال بثقافة تهامة، البعداء عن التقوى، محترفي التلغيم والتفجير والاقتناص والقتل والتدمير؟  كأنك أردت الانتقام بهم من التهاميين، على ما قيل إنه تواطؤ أو خيانة من أبي موسى الأشعري للإمام علي، في صفين، أثناء التحكيم بينه وبين معاوية.. فهب أن اعتقادنا الموروث من أسلافنا اعتقاد سليم في أحسن الأحوال، فبأي شريعة نعاقب أحفاد الأشعري في يومنا على حوادث جرت في التاريخ القديم، بينهم وبينها مسافة تزيد على ألف سنة؟


ولقالوا له: يا سيد عبد الملك.. في زبيد ولد ونشأ عمارة بن زهيدان الحكمي الزبيدي المعروف بعمارة اليمني، ومنها انطلق يلهم الدنيا ملكات الشعر والأدب والتاريخ، وهو كاتب بعض تاريخ جداتك الحاكمات الصليحيات أروى وأسماء وأروى الثانية.. وأنت رميت زبيد ببلايا العصر الغاشمين والقتلة والملغمين ومخربي العمران، يطمسون معالم المدنية المبكرة، وأول موطن للتسامح الديني والتعدد المذهبي.. يا سيد عبد الملك، الرجال الأفذاذ في كل فن الذين عزت بهم اليمن تعلموا وتفننوا في زبيد.. وراجع- لو شئت- كتاب الإمام الشوكاني: البدر الطالع في من عاش بعد القرن السابع.. وكتاب الفقيه الزيدي زبارة الملحق به، وستجد أن معظم فقهاء الزيدية وآل البيت كانوا من تلاميذ الفقهاء التهاميين.. وإلى زبيد جاء أنصاف جاهلين، وخرجوا منها عالمين، وانطلقوا إلى شتى جهات اليمن ينشرون العلم ويكافحون المستبدين ويدعون للحرية ويناضلون الدخلاء والمستعمرين، وحسبك من الأقدمين أحمد بن علوان، ومن المتأخرين أحمد محمد نعمان.. ومنهم من قام بهذا الدور في مناطق مختلفة من العالم.. ومنهم من جاء من مكة والقاهرة ودمشق وبغداد إلى تلك الرقعة المباركة ليستزيد في علمه ويتعلم أصول وقواعد الاجتهاد والاستنباط في علوم الشريعة وحتى علوم اللغة والتاريخ.. جاءها من الهند محمد محمد عبد الرزاق، فنشأ فيها وتعلم وأصبح عالما وشاعرا ومؤرخا ولغويا، ومنها جاءت شهرته في الدنيا التي عرفته باسم السيد المرتضى الحسيني الزبيدي اليماني الحنفي، مؤلف تاج العروس من جواهر القاموس، الذي اعتبره الباحثون ذروة نتاج المعاجم اللغويّة العربية عبر العصور.. وإذا كانت طائرات (العدوان) قد قصفت أعيانا مدنية ثقافية في زبيد، فنحن وأنت المسئول الأول عن ذلك لأننا أوجدنا لها الأسباب، بل إننا سبب كل القصف الجوي الذي أزهق نفوسا تهامية ودمر مدارس ومعاهد ومنازل ومصانع ومعامل وطرقات وأحرق مزارع ومراعي وأتلف الإبل والأغنام والأبقار، وكائنات حية أخرى، وممتلكات خاصة لا حصر لها.


ولقالوا له: يا سيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، مدينة بيت الفقيه أسسها قبل نحو ثماني مائة سنة مجتهد محقق أستاذ في علوم الشريعة، وما تزال بعض علومه تشع إلى اليوم.. ولعلك سمعت به، إنه الفقيه أحمد بن موسى بن علي بن عجيل، الذي قال فقهاء المذاهب في عصره إن مثله في الأولياء كمثل يحيى بن زكريا في الأنبياء، لم يعص الله ولم يهم بمعصية، وما فاتته فريضة ولا أخرها عن أول وقتها، ولا صلاها بلا سنة، ولا صلى سنة جالسا، ولا سجد للسهو.. وذكروا إن فيه ثماني عشرة خصلة من خصال النبوة.. ثم إن بيت الفقيه هي موطن أحمد جابر عفيف، صاحب الرسالة الأولى في المجتمع اليمني: تعليم، تعليم، تعليم، الذي أسس التعليم الجامعي في اليمن، والذي استوزره اليمنيون وزارة التربية والتعليم فكان وكيلهم الأمين في أولادهم، حتى أنهم يوم عزله من الوزارة خرجوا يتظاهرون ويهتفون: لا دراسة ولا تدريس إلا بأحمد جابر عفيف. ولقد فاتنا ذلك يوم قررنا معك إنزال جحافل الجهل و20 ملزمة من ملازم أخيك السيد حسين لكي تدرس في موطن ابن العجيل وابن العفيف.. أرسلنا ملازم أخيك السيد حسين التي تنضح تضليلا وعنصرية واستبدادا وتعصبا، وراح عن بالنا أن تهامة أول موطن للعقلانية والتعددية الثقافية والفكرية والسياسية، وهي مجمع اليساري واليميني والقومي والأممي والليبرالي والمحافظ.. أخطأنا بعدم سؤال أنفسنا: كيف لخرافات السيد حسين الحوثي أن تصدق في تهامة، حيث إرث الزرانيق، والأشاعرة، وعمارة الحكمي، وعبد الرحيم البرعي؟ وأين الملازم المضللة العجماء من عربية علي حمود عفيف، وفكر إبراهيم صادق، وأدب أبو القصب الشلال، وفقه الطيب بعكر، وعلوم سالم شجاب، وشعر العزي مصوعي، وعلمية عبد الباري طاهر، وعقل حسن مكي؟


ولقالوا له: يا سيد عبد الملك، الحديدة مدينة التهامي العملاق يوسف أحمد محمد الشحاري، فما كان ينبغي الانتقام منها بجريرة أن ابن الشحاري ذل أنف الإمامة ليلة 26 سبتمبر 1962، ورفع فيها أول رايات النظام الجمهوري، فسار بعده التهاميون يرفعون صوت الجمهورية أعلى فأعلى.


ولقالوا له: يا سيد عبد الملك، أرسلنا المقاتلين إلى تهامة يصرخون: النصر للإسلام.. في أرض أول أنصار الإسلام.. وقلنا لهم أصرخوا: النصر للإسلام، ولم نهتم لأفعالهم المناقضة لتعاليم الإسلام.. فقد قتلوا المدنيين كبار وصغارا ذكورا وإناثا، ودمروا البنيان.. كلنا تخلينا عن أخلاق القتال وآداب الفرسان، فكم وكم زرعوا من الألغام والعبوات الناسفة، وحين يفر رجال اللجان الشعبية والمشرفون يخلفونها وراءهم لتقتل الفلاحين والفلاحات، والرجال والنساء والأطفال الراكبين والسائرين، هديتنا لتهامة ألغاماً ومتفجرات وقذائف وصواريخ ورصاصاً تقتل أهلها وتهلك ضرعها وتحرق مزارع النخيل والذرة وسائر الحبوب التي تجود بها تهامة لليمنيين، بل لقد أحرقت مزارع الفل والكاذي والزهر والورد وكل مظاهر الجمال التي ألهمت الأدباء، وكانت مصدر لطافة فن أحمد يوسف الزبيدي، وأناقة ألحان أحمد فتحي.. فما كان ينبغي لنا ولك تقديم هدايا مثل هذه لتهامة، حتى وإن كنا نكرهها ونكره أهلها.


ولقالوا له: يا سيد عبد الملك، تعلم ونعلم الغرض الحقيقي من ميناء الحديدة، والعالم من حولنا أيضا قد أصبح يدرك ذلك الغرض، لكننا-  من أجل البقاء في مدينة الحديدة – تتذرع باحتياجات المواطنين، أن تصل إليهم وإلينا المواد النفطية والسلعية والمساعدات الإنسانية عبر الميناء، وهي ذريعة لم تعد وجيهة، مثلما أنها غير صادقة.. ميناء الحديدة لليمنيين جميعا، هكذا كانت في كل مراحل الصراع والحروب، كما في حالة السلم، ويجب أن تبقى كذلك، وخيرها السيادي يشمل كل جهات اليمن، وسوف تحصل صعدة على نصيبها من الميناء، وستأتينا حصة من خراجها.


ولقالوا له: يا سيد عبد الملك، وسائل إعلامنا تمطر أخبارا عن طائرات مسيرة وصواريخ طويلة ومتوسطة المدي، وانتصارات، بينما الناس هناك في تهامة لا يروا شيئا سوى هزائمنا المتتالية، ويدركون أننا نبث تلك الأخبار من باب التعويض النفسي عن الهزايم.. لذلك ننصح يا سيدنا أن تسارع إلى سحب المقاتلين والمشرفين والأسلحة من مدينة الحديدة.. ضع في الحسبان أن المدينة يقطنها مئات الألاف من الرجال والنساء والأطفال، وأي إصرار على المواجهة العسكرية داخل المدينة ستكون له نتائج وخيمة تتحمل مسئوليتها أمام الله وأمام الشعب والقانون والعدالة الجنائية والتاريخ، فضلا عن الخسائر البشرية والمادية التي من المؤكد أننا سوف نتكبدها وسنخسر المعركة في النهاية.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى