تعقباً على المقال السابق حول فكرة «قرين القرآن» حاول بعض أنصار الحوثي الخروج من ورطة وصفهم لزعيمهم بأنه «قرين القرآن»، بأن ذلك وصفاً عادياً يمكن أن يُطلق على من يقرأ القرآن ويعمل به.. وهذا تلبس على من لا يعرفهم.. لهذا لزم التوضيح بأن الخلاف معهم في هذه المسألة هو في معني خاص يقدمونه لـ«قرين القرآن»، ويتعاطون معه في الواقع العَمَلي، ونوضح ذلك في الآتي:
1- اقتران القَرِين بالقرآن لا يعني عندهم مجرد تلاوته أو اتباعه؛ ولكنه يعني مماثلة القرآن، حتى أن القرآن ذاته لا ينفع ولا يُجدي إلا بواسطة ذلك القرين، وبدونه سيكون القرآن مصدر ضلالة وعمى.. وهذه نقطة الخلاف الجوهرية التي انتقدناها في المقال السابق، وقد صرح بها في أكثر من موضع في ملازمه:
وبها يكون القرآن محكومٌ بمزاج القرين، يؤوله كما يشاء، وصار تابعاً وليس متبوعاً.
2- قُرناء القرآن في مفهوم الحوثي ليس من يقرأ القرآن أو يعمل به، ولكنهم المُعَيَّنون على أساس عِرقي، محصور في أبناء علي وفاطمة فقط، وليس حتى في بني هاشم كلهم.. فليس لأحد من حَفَظة القرآن وكتابه من الصحابة والتابعين وكبار أئمة الصّلاح أن يكون من قرناء القرآن، فلا حواري رسول الله عبد الله بن مسعود، ولا حَبر الأمة عبد الله بن عباس، ولا كاتب القرآن زيد بن ثابت، ولا عمار بن ياسر ولا سلمان الفارسي ولا المقداد ابن الأسود، ولا أحد من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين يمكن أن يكون – في نظر الحوثي – من قرناء القرآن، حتى لو قطعوا أنفسهم بين آياته وعملوا بكل حَرف منه! وأتحدى أي حوثي مُعتبر يقول: إنه يمكن يكون قرين قرآن من خارج الأسرة. وفي هذه النقطة:
وبهذا يكون الاقتران وكالة حصرية خاصة مرتبطة في الأسا بالعرق والدم أولاً، ثم وفي دائرة العرق والدم فقط يتم البحث عن قُرناء القرآن؟
3- بعد أن حدد معنى «قرين القرآن» وعين أهله الحَصْريين، أخذ يؤكد أن الأمة قد ضلت بسبب عدم تمسكها بهم بل صارت تحت اقدام اليهود والنصارى، مؤكداً أنه لا يمكن للعالم الخلاص إلا عن طريقيهم، وإن جاهد من جاهد وفكر من فكر وصلى من صلى، فكل ذلك لا ينفع إلا بالعودة إليهم، ومن ذلك:
4- أكثر من ذلك وأبعد أنه اعتبر صلحاء الأمة الذين اختارهم المسلمون للخلافة أو الزعامة أو كانوا علماء دين هم مصدر ضلالة وهزيمة للأمة ما داموا من غير أهل البيت! وعن ذلك:
5- بعد أن احتكر العلمية والاصطفائية والاقتران في اسرته على أساس عِرقي، واجهته مشكلة أن أبناء عشيرته كبقية الناس فيهم محسن وظالم لنفسه مبين، فاضطر إلى العودة إلى القاعدة الصحيحة وهي أن معيار التّميز هو العمل، ولكنه تحايل على ذلك وظل مصراً على أن القرين لا يكون إلا من صُلحاء السلالة فقط دون غيرهم:
6- ثم ظهرت مشكلة أخرى، وهي كيف يتخلص هو وأنصاره من صلحاء العلويين المنتمين إلى الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية والمعتزلة والجعفرية والاسماعيلية والصوفية والعلمانية والاخوانية والوهابية، وكيف يخرجونهم من العَلَميّة والاقتران والاصطفاء، وهؤلاء قصتهم قصة .. نسأل الله السلامة!
وفي مسألة من يَدخل ويَخرج في الاقتران يقول: «المطلوب هو أنني أرتبط بأهل البيت، أحب أهل البيت، أصلي على محمد وآل محمد، أتولى آل محمد على هذا النحو، ثم في ميدان العمل أرتبط بالهداة، في ميدان الولاء عندما يتبين لي شخص سيء أرفضه».
فهو يريد لك أن تتبع وتحب وتنقاد دون تمييز، ثم بعد ما تصبح تابعاً له سيعرفك من هو الصالح الذي يصلح قرين ومن ليس كذلك، لأنك لا تَعلم، ولكن «العَلَم» هو الذي سينتقي لك ويعيّن الصالح من الطالح.. وهكذا.. «عصيد في جمنة» كما يقول أهل اليمن!!
7- وهنالك مشكلة أخرى، وهي كيف يمكنه أن يتخلص من عَلَمية واقتران الصلحاء العلماء من اسرته ومذهبه ممن ليسوا على مزاجه السياسي الخاص، كالسيد العجري والسيد مجد الدين والسيد الهادي والسيد المؤيد والسيد المنصور والسيد الشامي والسيد المتوكل والسيد العزي والسيد .. الخ.
وكذلك العلماء العُبّاد الذائبين في القرآن العاملين به من علماء الزيدية، لا ولم ولن يكونوا من قُرناء القرآن ما داموا خارج السلالة.. هذه حقيقة لا نزاع فيها عندهم .. فلم التلبيس؟!
لقد كان الأخ عبد الكريم جدبان أعلم من حسين الحوثي وأكثر منه قراءة للقرآن وارتباطاً به وفهماً له، وحتى الأخ صالح الصماد كان من أكثرهم تلاوة للقرآن وأشجعهم وأكثرهم عَملاً واستبسالاً في مشروعهم، ومع ذلك لا يمكن لشخص مُعتبر من الجماعة أن يتجرأ ويقول: إن هذا أو ذاك من قُرناء القرآن!