ورثة الكتاب (1)

 


 تحدث القرآن عن مصطلح «الميراث» في أكثر من ثلاثين آية، تناولت في مجملها ثلاث معاني:


ما أتي بمعنى هيمنة الخالق عز وجل على كل الشيء، كما في قوله: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وقوله: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}. وهذا ليس موضوع بحثنا هنا.


ما ترك السّابق للاحق من أشياء مادية أو معنوية، كما في قوله: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} وقوله: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}، وكذلك ميراث الأقارب الذي تحدثت عنه آيات سورة النساء. وهذا ليس موضوع بحثنا أيضاً.


توريث الأمم كُتب ورسالات أنبيائهم للعمل بمقتضياتها، كما في قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ}. وقوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}، فكل أمة وارثة لكتاب نبيها مكلفة بالعمل برسالته.


فمن نجح فهو {سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه، ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}، ويستحق المكافأة بـ: {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، ومن فشل، فهو {ظَالِمٌ لِنَفْسِه}، وهو ممن قال عنه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا}. وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ}.


 هذا ملخص مسألة الميراث في القرآن، سواء كان ميراثاً مادياً أو معنويا، وهو واضح، سليم، منسجم مع الفطرة ولا يتعارض مع شيء من القِيَم الإنسانية.


 أما أخونا حسين الحوثي فإن له رأي آخر، خلاصته: أن أبناء فاطمة الزهراء رضي الله عنها، هم ورثة الكتاب القيّمون على الدين، فلا يؤخذ إلا عنهم ولا يُفسِّر القرآن سواهم؛ فالله – في نظره – قد اختصهم بذلك، دون سواهم من أمة محمد، بمن في ذلك سائر بني هاشم وبني عبد المطلب؛ بل وحتى أبناء علي من غير فاطمة.


وفي ذلك يقول: «ذلك الكتاب العظيم الذي أنزل عليه [يعني النبي]، إنها الرسالة، وإنه الكتاب الذي أورثه أهل بيته». إن «من الأسس الهامة في القرآن أن تعرف أن للقرآن ورثة، أن للقرآن أعلام يهدون به». و«أنهم هداة الأمة وقادتها، أنهم أعلام الدين، وورثة نبي الله، وورثة كتابه الذي جاء به من عند الله».


وحذر مَنْ يحاول أن يتأمل في القرآن بمفرده، فلا يصح لي أن أتأمل القرآن «بروحيّة أنه أنا أهتدي بالقرآن، وأعرف القرآن أنا، وأطّلع على القرآن أنا، وأفهم أسراره أنا». مؤكداً أن المفسرين كالطبري وابن كثير وغيرهم يتأملون في القرآن ويمرون على جميع آياته، ومع ذلك يتخبطون في الضلال؛ لأنهم لا يرجعون إلى ورثة الكتاب[1]. فمعرفة القرآن – برأيه – لا تكون إلا عن طريق قرناء القرآن وورثة القرآن فقط[2]. حتى من انفتح من أهل البيت على علماء الأمة، فإنه ضال مضل، فـ«أهل البيت أنفسهم إذا خرجوا عن هذا المفهوم يضلون، إذا خرجوا عن مفهوم أن للقرآن ورثة يرشدون إليه ويهدون به فإنهم يغرقون في الضلال»[3].


ودعا إلى فهم المسألة على أساس أن الله اصطفى فئة معينة من الناس وجعلهم ورثة لكتابه دون سواهم، حتى لو كان فيهم فاسدون[4]. مؤكدا أن وِرَاثة الكتاب كالاصطفاء أتت على أساس عِرقي، فهي مستمرة حتى في أصلاب من وصفهم بـ«المجرمين الخارجين عن دائرة الاصطفاء»، ما داموا من الأسرة؛ لأن الاصطفاء لمجموع هذه الفئة نفسها وليس لغيرها[5].


وحاول جاهداً أن يقتع أتباعه بتقبل أسرته كورث وحيد لهذا الدين، وإن لم يكونوا على قدر المسئولية أو كان فيهم أناس سيئين، واحتج لذلك بأن وراثة الدين مثل وراثة المال، فكما حكم الله بالميراث للورثة رغماً عنك، وكيفما كانوا، فكا ذلك توريث القرآن لأسرة معينة، عليك أن تقبلهم رُغما عنك[6]


والسؤال الحاسم هنا لأنصار الحوثي – حتى لا يتوّهونا في الكلام الجانبي وقبل أن نناقش الحجج – هو: هل تعتقدون أن هنالك جماعة عِرقية مخصوصة ورثت القرآن ولا يمكن لغيرها الهداية به؟ أم أنهم بشر ممن خلق شأنهم شأن غيرهم، يجهلون وتعلمون ويخطؤون ويصيبون، ويمكن لغيرهم أن يفهم القرآن ويهدي به؟


فإن أجابوا بالثانية، أنهينا الحوار في هذه المسألة وأغلقنا الملف، واعتبرنا كلام الأخ حسين رأياً شخصياً يحق له أن يعبر عنه كما يشاء، وقد قَدِم إلى ما قَدّم.


وإن قالوا: بل نحن متمسكون بما قال كمال قال.. فنحن مضطرون لمناقشة الفكرة ونقدها والتحذير منها؛ لأنها لم تعد مجرد رأي فكري؛ بل صارت – في ظل سلطتهم – منهج حياة عَمَلي، يرون أنه يجب فرضه على المجتمع باعتباره الحق الذي لا يجوز تجاوزه أو العمل بخلافه


 


 

Exit mobile version