المرافسة على موتى لم يلهمونا الحياة

 


علي وعمر وفاطمة وعائشة وأبوبكر وجميع الأهل والأصدقاء مع احترامنا وتقديرنا لهم، اختلفوا زمان وحدثت بينهم مشاكل عائلية كبيرة تحولت في حينها إلى صراع في سبيل السلطة دون أن يكون لأحدنا يد في ذلك، ولكننا ندفع اليوم ثمن ذلك الخلاف بكلفة باهظة دمرت أحلامنا وحياتنا وجعلتنا أمة في خانة النازحين والمفقودين والمسجونين والموتى وعلى إيش هذا كله طيب؟ وما دخلنا إحنا عشان نتجرع ويلات خلافات الماضي البعيد؟ والله مالي علم!


لم يكن احد منا موجوداً أثناء موقعة الجمل، ولا كنا حاضرين في مدرجات ملعب معركة صفين عشان نقوم بدور الحكم أو نلعب دور المفارع الحصيف، وكل الذين كانوا موجودين هاذيك الأيام ماتوا منذ دهور غابرة وأصبحوا رميم، فلماذا نعيش تبعات تلك المحنة اليوم وأحنا في القرن الواحد والعشرين؟ برضه والله مالي علم!


عشرات الآلاف من الأسر تشردت من بيوتها بسبب فاطمة وعائشة وعلي وعمر وأبوبكر؟ انتوا عارفين إيش معنى أسر تتشرد؟


يعني نساء وأطفال وشيوخ ومرضى ومعاقين وشبان ومرضعات ومقعدين على الفراش يفرون من بيوتهم كما تفر الارانب المذعورة ومش عارفين يرحوا فين.. ولا عارفين ليش يحصل لهم كل هذا العذاب.. ولا عارفين متى بيرجعوا بيوتهم.. ولا عارفين كم تبقى لهم من العمر الذي تم قصفه في صراع السنة والشيعة الأخير.


لاعد أمان في بلادنا، ولا عد هدوء، ولا وسائل حياة، ولا كهرباء، ولا بترول، ولا سفارات، ولا صادرات، ولا واردات، ولا مصانع تنتج، ولا وزارات تعمل، ولا شوارع ضاجة بالحياة، ولا جيش نهرب له لما نفتجع، ولاسلطة محترمة، ولا جواز سفر يمنحك الثبات أو يفتح لك الأبواب، ولا عقال يقولوا خلاص يكفي.


يرضيك هذا ياعمر؟ جاوبني بحجر الله؟


يرضيك هذا ياعلي؟ جاوبني ياخي بحجر الله؟


يرضيك هذا اللي أحنا فيه يا ابوبكر؟


يرضيك ياعائشة؟ يرضيك يافاطمة؟


واسألكم بالله أنتم أيها الأحياء، هل يوجد في العالم دين يحتفي بهذ اللبيج اليومي؟ وهل هذه من أساسها أصلاً وظيفة تستحق منا كل هذا الاقتتال، وكل هذه الدماء، وكل هذه الخسارات، وكل هذه الأحزان، وكل هذه الأحقاد. وعلى إيش طيب؟


عائشة وعمر وعلي وفاطمة وأبوبكر صورة تذكارية لمشاكل عائلية حصلت قبل ألف وخمسمائة سنة تقريباً، وأصبحت تاريخ، ليش نخلي التاريخ دين؟ وليش نخلي الدين لبيج؟ اسكه قلوا لي ليش نخلي الدين لبيج؟


يرضيك هذا ياعايشة؟ يرضيك هذا يافاطمة؟ يرضيك ياعلي وياعمر ويا أبوبكر، يرضيكم هذا الدمار اللي عايشين فيه بسببكم.


عائشة وفاطمة وعلي وعمر وأبوبكر، رضوان الله عليهم كلهم موتى مش عارفين إيش اللي يحصل لنا بسببهم، وإلا كانوا بيعتذروا لنا من داخل قبورهم على أقل تقدير.


والمشكلة الكبيرة إن إحنا مضيعين بلادنا وتاريخنا وجالسين نترافس فيما بيننا البين على موتى لم يلهمونا الحياة ولم يرشدونا إلى المستقبل، وليس لأحدهم القدرة على إيقاف نزيف الدم اليومي في بلد أصبح كل ما فيه موت وخراب ديار، وتقدروا تقولوا إن هذا دبور محلق علينا ولن نتخارج منه إلا عندما يصل المتدينون إلى قناعة بأن ما حدث في الماضي يفترض به أن يكون تاريخ مش دين ولا هو عقيدة ولا فيه ما يمت للإسلام بصلة.


 


 

Exit mobile version