مقالات

ما مدى نجاح واشنطن في وقف صادرات النفط الإيرانية؟

 


أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الثامن من مايو (أيار) 2018، بأنه ينبغي على الجميع التوقّف عن شراء النفط الخام الإيراني اعتباراً من الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، لكن يبدو أن السؤال الأهم يتعلق بإمكانية تطبيق مثل هذا الحظر على صادرات النفط الإيرانية من جانب القوة العالمية الأولى منفردة. ويُجمع خبراء داخل الولايات المتحدة وخارجها على أن تطبيق مثل هذه السياسة سيكون أصعب مما كان يعتقد الرئيس الأميركي، أو على الأقل لن يكون الأمر بتلك البساطة التي تصورها تهديدات الرئيس ترمب وتصريحاته النارية بخصوص المسألة الإيرانية.


وفي الطرف المقابل للمعادلة، تُظهر متابعة وتحليل تصريحات كبار المسؤولين في طهران بأن هناك نوعين من الرسائل يبثّها النظام الإيراني في خطابه حول مسألة حظر مبيعات النفط الإيرانية، ويتمثل النوع الأول في الرسائل الموجهة إلى الداخل الإيراني؛ إذْ يزعم المسؤولون الإيرانيون في خطابهم الموجه إلى الشارع الإيراني بأن مبيعات النفط الإيرانية إلى العالم سوف تتواصل على الرغم من الحظر الأميركي المفترض. وهم يستندون في هذا الزعم إلى حقيقة أن النظام الإيراني طوّر عبر سنوات طويلة من تجارب العقوبات الماضية، آلياتٍ وتكتيكاتٍ مُتعدّدة للتحايل على العقوبات الأميركية والدولية، وأن لدى النظام معرفة ممتازة، واستعداداً كافياً، لإعادة إطلاق مثل هذه الآليات، ووضعها موضع التنفيذ.


أما في الرسائل السياسية الموجهة إلى المجتمع الدولي، والولايات المتحدة على نحو خاص، فإن الخطاب الإيراني متفاوتٌ تماماً؛ إذ نجد هناك إقراراً بقدرة الولايات المتحدة على وقف صادرات النفط الإيرانية، بل ربما هناك تضخيم لمثل هذه القدرة، وهنا يتحوَّل الخطاب الإيراني إلى القول بأنه «لا معنى لأن يستمر تصدير النفط من باقي دول المنطقة، إذا توقفت مبيعات النفط الإيرانية»، وهو ما جاء على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني، وكرره قادة بعض «الحرس الثوري» بإعجاب وتقدير. أي أن الخطاب الإيراني الموجه إلى الخارج يقول ببساطة إن أميركا قادرة على فرض حظر كامل على مبيعات النفط الإيرانية، لكن طهران تُهدّد بالمقابل، بعرقلة صادرات النفط الإقليمية من خلال تهديد حركة الملاحة البحرية في مضيق هرمز.


وبعيداً عن الأحمال السياسية لتصريحات الطرفين، الإيراني والأميركي، حول قدرة، أو عدم قدرة، الولايات المتحدة على فرض حظر كامل على مبيعات النفط الإيرانية، فإن الحقيقة تكمن في موضع وسط بين هذا وذاك؛ إذ إنه من بين كبار زبائن النفط الإيراني يمكن الإشارة إلى كل من الصين، والهند، وتركيا، وأوروبا، وكوريا الجنوبية، واليابان. وتواجه الولايات المتحدة تحديات متباينة في إقناع كل من هذه الدول بالتوقف عن شراء النفط من طهران.


ويسعى اليابانيون والكوريون الجنوبيون جاهدين للحصول على إعفاءات من واشنطن، للاستمرار باستيراد النفط من إيران. وهم يتوقعون من الإدارة الأميركية أن تمنحهم – على الأقل – مهلة زمنية أطول، تتجاوز الرابع من نوفمبر المقبل بعدة أشهر، كي يستعدوا على نحو أفضل للتوقف عن شراء النفط الإيراني، بينما صرّحت كل من الصين وتركيا، بأن قرارهما شراء أو عدم شراء النفط الإيراني، لن يكون مرهوناً بالقرار الأميركي. أما الهند، فإنها على الأرجح ستستمر في ممارسة لعبة ذات وجهين، وستواصل شراء النفط الإيراني بشكل أو بآخر.


أما موقف الأوروبيين فهو الأكثر غموضاً في هذا الخصوص، ويصعب جداً التكهن بما ستؤول إليه نقاشات ساسة أوروبا الماراثونية مع طرفي الصراع الرئيسين، إيران وأميركا. وتبلغ فيه صادرات النفط الإيرانية إلى أوروبا نحو 450 ألف برميل يومياً. وترسل أوروبا إشارات متناقضة، منها ما هو غير مبشر بالنسبة لطهران؛ فقد صرّح وزير النفط الإيراني بيغن نامدار زنكنة بأن عروض المشتريات الأوروبية من إيران تبدو «غير مُرضية» مثلاً. لكنّ التقارير الأولية التي تُشير إلى اتفاق المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا على إنشاء آلية دفع بديلة عن الدولار في التجارة مع إيران تُشكّل على الأرجح تطوراً مُهماً من شأنه طمأنة طهران على المدى البعيد. وقد عرض الأوروبيون على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وفريقه في السادس من يوليو (تموز) الماضي في فيينا، أول مشروع للحوافز الاقتصادية لإيران، من أجل إبقائها في الاتفاق النووي، لكنّ ظريف زعم أن ما تقدمه أوروبا لإيران لن يكون كافياً لإبقاء طهران في الاتفاق النووي.


ونظراً لضبابية الموقف الأوروبي، أطلقت طهران بالون اختبار بقرارها المفاجئ استعادة نحو 350 مليون دولار من «البنك التجاري الأوروبي – الإيراني» في مدينة هامبورغ. وشكّل القرار اختباراً قاسياً للأوروبيين؛ إذ بينما ادّعى الإيرانيون بأنهم يحتاجون المال لأسباب مشروعة، دفع سفير الولايات المتحدة في برلين باتجاه عدم تحويل هذه الأموال إلى طهران، خوفاً من أن تُستخدم في دعم الإرهاب. وفي حال اتخذ الألمان قراراً يقضي بمنع تحويل هذه الأموال، فإن ذلك سيضر بإجراءات بناء الثقة التي يسعى الأوروبيون إلى تعزيزها مع الجانب الإيراني في الوقت الحالي.


وفي الوقت الذي يواصل فيه وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو مفاوضاته مع نظرائه الأوروبيين، على أمل إقناعهم بالتوقف عن شراء النفط الخام الإيراني، تكره إيران أن ترى حصتها في سوق النفط في أوروبا تختفي، على نحو يشبه ما حدث في الفترة التي امتدت بين عامي 2012 و2015. ولذلك ستكون طهران على الأرجح مُنفتحة إزاء أي ترتيبات لمقايضة النفط بالسلع وفق شروط جاذبة للأوروبيين. ولعل هذا الأمر سيزيد من تعقيد مهمة بومبيو في إقناع الأوروبيين بالتخلي عن إيران. وقد بدأت طهران بالفعل بإبرام صفقات مقايضة للنفط مقابل السلع مع عدة دول من بينها روسيا والصين والهند.


ولعلّ خلاصة ما تريد طهران إثباته، أو التوصل إليه، هو أن تقول لإدارة الرئيس ترمب بأن حظراً كاملاً لصادرات النفط الإيرانية، هو أمر غير متصوَّر، أو غير عملي في مرحلة ما بعد الرابع من نوفمبر المقبل. لكن من قال إن أمراً كهذا هو المطلوب، أو المتوقع أميركياً؟ إن الهدف المعلن لهذه العقوبات هو إخضاع النظام الإيراني، وإلزامه بالتفاوض حول ملفات محدّدة، وليس حظر النفط الإيراني في حدّ ذاته. والحقيقة إن خفض صادرات النفط الإيرانية إلى ما دون مليون برميل يومياً سيكون كافياً تماماً لتحقيق مثل هذا الهدف، بينما سيؤدي خفض صادرات النفط الإيراني إلى أقل من نصف مليون برميل يومياً إلى انهيار كامل للاقتصاد الإيراني في غضون ستة أشهر.


 


 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى