اليمن ليست أرضاً إيرانية
ما أن أعلنت إيران تهديدها بإغلاق المضايق أمام التجارة العالمية، والتهديد بإعلان الحرب على أميركا، حتى رأينا العميل «الحوثي» يوجه نيرانه إلى إحدى حاملات النفط السعودي الذي يتم تصديره يومياً إلى الغرب. حين نشهد هذه العمالة الرخيصة، علينا أن نتخيل مستقبل اليمن في ظل شراكة يكون «الحوثي» أحد أطرافها.
وحين نسقط هذه المعايير على الأزمة اليمنية، وما يتفاعل فيها الآن، فإن التحليل يقودنا إلى واقع، نجد أن القوى الفاعلة والأكثر تأثيراً في الأزمة، تنقسم إلى قوى داخلية في إطار اليمن، وقوى خارجية ممثلة بدول التحالف من جانب وإيران واتباعها و«حزب الله» والميليشيات العميلة لها في العراق، وسواه من جانب آخر.
وفي الجانب اليمني، نواجه باتباع إيران من الميليشيات «الحوثية» التي فقدت حليفاً لها ظل يؤازرها لأكثر من ثلاثة أعوام، وكانت النهاية التراجيدية أن أزهقت روح عبدالله صالح بمشهد همجي ينم عن فصيل إجرامي من عينة «داعش» في التطرّف والهمجية، وهي الآن فقدت جزءاً فاعلاً من قوتها، إلا أنها تستعيض عن ذلك بإزهاق أرواح الأبرياء والتنكيل بالمدنيين وخطف الأطفال وتجنيدهم، ودفعهم في الصفوف الأولى في محاولة للتغطية على الضعف العسكري وضيق المساحة التي تشغلها الميليشيات يوماً بعد يوم. وهذه الكتلة تستعيض عن ضعفها أيضاً باللجوء إلى السرية المطلقة في إدارة خلافاتها.
الكل يعلم أن القيادات «الحوثية» منقسمة على نفسها في قضايا استراتيجية كبرى. وكان بمقدور صالح أثناء حياته استغلالها وكسر العصا في الكيان «الحوثي» والتمكن من السيطرة على الحركة وتوجيهها وفق قناعاته. ولكن عقدة النقص التي كانت تسيطر على أدائه أمام «الحوثيين»، كانت تقف عائقاً أمام إرادته في مقاومة أطماعهم، وقد سمعته وهو يتحدث لي شخصياً، وهذا مثبت في كتابي (سهيل يشتعل)، فقد قال بالحرف الواحد إن «(الحوثيين) يعتبرون أنفسهم وكلاء الله في الأرض، ومن حقهم إصدار حكم الإعدام بأي شخص، وقد يقتلونني ويقولون إنه حكم الله». وقد صدقت تنبؤاته في نهاية حياته على يد «الحوثيين» الذين باعوا أنفسهم برخص لإيران، ولن تنطلي على أحد خديعة الأيديولوجيا التي يرفعونها في وجه اليمن واليمنيين، فقد ربطوا أنفسهم بإيران على نحو يتوازى مع خنوع «حزب الله» في لبنان. ولَم يعد بإمكانهم التستر على تسليم رقبة صنعاء للجلادين الفُرس، وإلا كيف يستقيم هذا الموقف «الحوثي» في وضع اليمن في مواجهة العالم حين تصدر الأوامر من طهران لضرب ناقلة النفط السعودية كـ«بروفة» لإمكانية إغلاق إيران للمضايق وتوجيه رسالة لأميركا بجدية الإنذار الإيراني دون التفكير في العواقب التي تضع اليمن في مواجهة العالم وأميركا بوجه خاص.
«الحوثيون» يعتبرون الأرض التي تقع تحت إدارتهم، وهي تشكل أقل من 30% من أرض اليمن، تم ضمها سراً إلى الأرض الإيرانية بحيث تبدأ منها الحملة على أميركا والمصالح الغربية كخطوط أمامية للدفاع عن المصالح الإيرانية أو على وجه الدقة للحملة الإيرانية لاحتلال نيويورك؟
حسناً فعلت المملكة العربية السعودية حين اتخذت قراراً بإيقاف مرور نفطها عبر باب المندب، والحذر من أن تكون اليمن في مرمى حجر من الغضبة العالمية الكبرى التي سيسحق فيها الإيرانيون وقبلهم الحوثيون، مصحوبين بلعنات اليمنيين.
ويمثل الجيش الوطني اليمني أحد إنجازات المرحلة في سنوات الحرب، وهو أحد الإسهامات القوية لدولة الإمارات. ولنا أن نتخيل مدى صعوبة هذه المهمة التي اضطلع بها جيش في تكوين جيش موازٍ بادئاً من نقطة الصفر، ومدى أهمية اللحظة التي تستعيد فيها دولة كيانها وتتسلم فيها جيشاً حديثاً ومجهزاً بأحدث المعدات ووسائل التدريب، مقترناً بخبرة واسعة في ميادين القتال. فمن المهم بناء جيش قوي على أنقاض جيش مزدوج الولاء، يفتقر إلى العقيدة القتالية التي كانت الحروب الأولى تكشف عنها وعن فرار ألوية بأكملها ولجوئها إلى الجانب «الحوثي» دون حياء، وعلى بيع أسلحة الجيش للميليشيات «الحوثية»، دون خوف أو رادع من ضمير. وسوف تكون البصمة الإماراتية في التدريب والتأهيل، إحدى العلامات الفارقة في جيش المستقبل في اليمن.