أحصنة طروادة القطرية في اليمن!

 


انشغل الإعلام الغربي خلال الأيام الماضية بالكشف عن فضيحتين جديتين من فصول العبث القطري حول العالم، فبينما انصب اهتمام الصحافة البريطانية على “العمليات السوداء” التي منحت الدوحة حق تنظيم كأس العالم 2022، سلّطت الصحافة الأمريكية الضوء على عملية سوداء من نوع آخر يقف خلفها المال القطري، بعد اتهام عضو بارز في الحزب الجمهوري المبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن جمال بنعمر بالعمل كوكيل غير معلن للنظام القطري في ملف دعوى تم رفعها إلى المحكمة في ولاية كاليفورنيا.


الاتهامات الأمريكية لبنعمر بلعب دور من نوع ما لصالح الأجندة القطرية التخريبية حول العالم، أعاد إلى ذاكرتي العديد من المواقف والمحطات في تاريخ السياسة اليمنية وخصوصا الجزء المتعلق بدور بنعمر كمبعوث أممي في أكثر فترات اليمن حساسية.


كانت العديد من المؤشرات تؤكد قيام المبعوث الأممي جمال بنعمر خلال عمله في اليمن في الفترة بين أبريل 2011 وأبريل 2015 بمهمة غامضة تتجاوز مهامه كوسيط أممي وتخدم مشاريع كارثية في المشهد اليمني المضطرب، لكن تحديد هوية الطرف الذي كان يقود تحركات المبعوث الأممي كان غائبا حينها.


في الكثير من محطات الصراع اليمنية كان يمكن للباحث والسياسي الحصيف أن يشعر بوجود أصابع قطرية، ولكن قطر لم تكن تفعل ذلك بشكل مباشر ولكن من خلال أحصنة طروادة التي عملت على إرسالها إلى اليمن الواحد تلو الآخر


وعلى الرغم من تورط قطر مبكرا في تأجيج الملف اليمني وعملها على دعم كيانات وجمعيات وشخصيات تم تصنيف بعضها كإرهابية أو داعمة للإرهاب في أوقات لاحقة، فإن ملامح المشروع القطري الكارثي في اليمن برزت بشكل واضح في يونيو 2006 عندما أعلنت الدوحة للمرة الأولى رغبتها في تبني وساطة للصلح بين الدولة اليمنية والمتمردين الحوثيين الذين كانوا يخوضون حربهم الرابعة في مواجهة الجيش اليمني الذي كان يطارد آخر فلولهم في جبال “حيدان”.


تمكنت الدوحة من إنقاذ الجماعة الحوثية عبر ما أطلق عليها “الوساطة القطرية” وخلال عام ونصف العام تقريبا نجح النظام القطري في إعادة الروح للجماعة وإنعاشها ماليا وسياسيا وحتى إعلاميا، حيث توقفت الحرب ونقلت طائرة قطرية عددا من القيادات الحوثية إلى الدوحة ونزلوا من سلم الطائرة يتمنطقون بسلاحهم الشخصي في محاولة لرفع معنويات أنصارهم التي كانت في الحضيض.


وبالتزامن مع عمليات تلميع المشروع الحوثي وإعادة بعثه من جديد عبر تجميله إعلاميا وإظهاره كطرف سياسي، كان رئيس فريق الوساطة القطرية يتنقل في جبال صعدة لتوزيع الأموال وشراء الذمم وضخ الأموال لجسد الجماعة المتهالك، الأمر الذي ظهرت نتائجه بعد ذلك في الحرب الخامسة التي شهدت ولادة نموذج أكثر توحشا وقوة من المليشيات.


راهنت قطر على الجماعة الحوثية لإقلاق أمن السعودية، إضافة إلى الدعم الخفي والمعلن لجماعات الإسلام السياسي بكل أصنافها وتوجهاتها ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل عمدت الدوحة إلى العبث بالمشهد السلفي الذي كان امتدادا للبنية الثقافية التقليدية في السعودية، حيث وقفت الدوحة خلف إنشاء كيانات حزبية ومالية جديدة أخرجت العديد من قادة المدرسة السلفية في اليمن من إطارهم التقليدي وشجعتهم على إنشاء الأحزاب والجمعيات وقامت بدعم تلك الكيانات.


في مرحلة لاحقة استخدمت الدوحة كل أدواتها في اليمن وتحديدا في عام 2011 مع وصول موجة الاحتجاجات إلى الشارع اليمني والتي أججها المال القطري ووسائل الإعلام التابعة للدوحة، وشاركت فيها بفاعلية أدوات قطر من أحزاب وشخصيات، في محاولة مبكرة لدفع اليمن نحو دوامة حرب أهلية كان النظام القطري يراهن على انتشارها في دول الجوار.


أفشلت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المخطط القطري في اليمن، وهو الأمر الذي دفع الدوحة لإعلان انسحابها من المبادرة وعملت في الوقت نفسه على محاولة إفشالها عبر توجيه أدواتها بالعمل على إجهاض المبادرة ورفضها ووضع العوائق في طريقها، وقد كشف تسجيل صوتي مسرب لأحد شيوخ اليمن القبليين وهو يتلقى توجيهات من ضابط قطري يطلب منه التوجه إلى صعدة وتشجيع الحوثيين على رفض المبادرة.


في الكثير من محطات الصراع اليمنية كان يمكن للباحث والسياسي الحصيف أن يشعر بوجود أصابع قطرية، ولكن قطر لم تكن تفعل ذلك بشكل مباشر ولكن من خلال أحصنة طروادة التي عملت على إرسالها إلى اليمن الواحد تلو الآخر، وفي 2011 كان المبعوث الأممي جمال بنعمر هو حصان طروادة القطري الذي تم الزج به في المشهد اليمني بغرض تفخيخه من الداخل.


عمل بنعمر مبكرا على العبث بمكونات التوازن في السياسة اليمنية، حيث دفع باتجاه إضعاف وتحجيم المؤتمر الشعبي العام كأبرز قوة سياسية وسطية حكمت اليمن لثلاثة عقود، كما تجاوز صلاحياته كوسيط أممي في الضغط على الرئيس الراحل علي عبدالله صالح لإجباره على التخلي عن العمل السياسي، فيما يبدو أنه تنفيذ لرغبة قطرية مبكرة حققتها المليشيات الحوثية بعد ذلك بسبع سنوات تقريبا من خلال تصفية صالح في ديسمبر 2017.


وقد كان دور بنعمر حاسما كذلك في أمور اتضحت كارثيتها بعد ذلك، ومن بينها تفكيك الجيش اليمني تحت عنوان “إعادة الهيكلة” الذي أخل بالتوازنات التقليدية في المؤسسة العسكرية اليمنية الأمر الذي مكّن الحوثيين من اختراقها بسهولة، مستفيدين من حالة الصراع التي نشبت بين مراكز القوى التقليدية في اليمن.


لعب بنعمر دورا خطيرا كذلك في سياق مهمته الغامضة كحصان طروادة قطري، عبر شرعنة الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014، حيث أجبر الرئيس اليمني المحاصر آنذاك وقادة القوى السياسية على التوقيع على اتفاقية استسلام عرفت باتفاق السلم والشراكة، وحاولت تفكيك التوازنات الهشة التي صنعتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.


وواصل بنعمر بإتقان بعد ذلك مسيرته الرامية لتمكين المليشيات الحوثية وتجميل صورتها وجعلها أمرا واقعا، كما دفع القوى السياسية للقبول بكيان مليشياوي مسلح لا يقبل بالعملية السياسية وإنما يسعى لابتلاعها، وهو المخطط الذي تم على مراحل بدأت بالقيام بزيارات قام بها المبعوث الأممي إلى صعدة التقى خلالها زعيم الجماعة الحوثية، وتلا ذلك تحفيزه قادة الأحزاب على القيام بجولات مشابهة، ووصل الأمر ذروته من خلال إصرار بنعمر على مشاركة الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني وفقا لشروطهم ومنحهم حجم أكبر مما يمتلكونه على الأرض، كما وقف خلف الاعتذار الغريب الذي قدمته الحكومة اليمنية للمليشيات الحوثية عن حروب صعدة الست.


 


 

Exit mobile version