خياران أمام طهران
مع بدء تطبيق العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، بدأ الخناق يشتد على النظام الإيراني الذي وجد نفسه أمام واقع جديد قد يعصف به نتيجة تداعيات العقوبات وتأثيرها الاقتصادي والمالي والاجتماعي في مجمل الوضع الإيراني.
تحاول القيادة الإيرانية التقليل من الآثار السلبية للعقوبات من خلال إطلاق المواقف الدونكيشيتية لإيهام الإيرانيين بالقدرة على استيعاب العقوبات تلافياً لردة فعل شعبية متوقعة، وإقناع الشركات الغربية التي بدأت تحزم حقائبها واستثماراتها وترحل تفادياً للعقوبات التي تنتظرها إذا ما أصرت على البقاء، ومنها شركات أوروبية عملاقة مثل «إير باص» و«توتال» و«بيجو» و«فولكسفاغن» و«بي إس إيه»، و«سي إم إيه سي جي أم» الفرنسية للشحن، إضافة إلى عشرات الشركات الفندقية والسياحية التي كانت قد سارعت إلى دخول السوق الإيرانية بعد توقيع الاتفاق مع إيران العام 2015.
لكن الواقع يقول شيئاً آخر غير الذي تدعيه القيادة الإيرانية، فطهران تواجه أزمة مالية خانقة وانهياراً في عملتها الوطنية، الأمر الذي تسبب في موجة تظاهرات عمت المدن الإيرانية، وسط تصاعد المخاوف من نقص حاد في السيولة مع دخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ قبل ثلاثة أيام، حيث تطال العقوبات القطاع المالي الإيراني.
ومن بوادر هذه الأزمة المالية، استنجاد إيران بألمانيا لتزويدها
ب300 مليون يورو من حسابات بنكية في ألمانيا وتحويلها إلى إيران، إذ أبلغت طهران هيئة الرقابة المالية الألمانية أنها تحتاج للأموال «لتوفرها للمواطنين الإيرانيين الذين يحتاجون للسيولة عند السفر إلى الخارج، في ضوء عجزهم عن الحصول عل بطاقات ائتمانية معتمدة».
ليس هذا وحسب، إذ إن سيف العقوبات سوف يطال الشركات التي لن تمتثل لها، فقد أعلن الرئيس ترامب أن الشركات التي تعمل في إيران لن تستطيع العمل في الولايات المتحدة، أي أنها لن تحصل على إعفاءات أو استثناءات. مع العلم أن ما أعلن قبل ثلاثة أيام هو مجرد الحزمة الأولى من العقوبات التي ستليها حزمة ثانية خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
تحاول القيادة الإيرانية الظهور بمظهر المتماسك القادر على مواجهة العقوبات، والقادر على رفض الحوار مع الولايات المتحدة من خلال اعتمادها على دول الاتحاد الأوروبي التي قررت إطلاق عملية «قانون التعطيل» من أجل الحد من تأثير العقوبات الأمريكية في الشركات الأوروبية، والمراهنة على مواقف الصين وروسيا والهند وتركيا المناهضة للعقوبات. لكن واقع الحال يقول إن العقوبات يمكن أن تتجاوز كل الحدود والموانع وتؤثر عميقاً في الاقتصاد الإيراني، وهو ما أقر به نائب الرئيس الإيراني إسحق جهانكيري الذي قال، إنه من الخطأ الاعتقاد أن العقوبات الأمريكية لن تؤثر في الاقتصاد الإيراني. ونقلت عنه وكالة «فارس» قوله: سنبيع أكبر قدر ممكن من النفط، رغم الجهود الأمريكية لوقف صادراتنا منه.
خياران لا ثالث لهما أمام القيادة الإيرانية، إما الرضوخ للمطالب الأمريكية بتعديل الاتفاق النووي، وقيام دولة سوية مسالمة لا تعتدي ولا تتدخل في شؤون الآخرين، وإما مواجهة عواقب وخيمة.