العلاقة بين الكاتب وقرّائه

 


إذا كان المُرسِل- في حالة الكتابة – هو الكاتب، فإن المرسَل إليه هو بالطبع القارئ. والعلاقة بين المرسِل والمرسَل إليه ملتبسة في كثير من الحالات. ونحن المشتغلين بالتواصل مع الآخر عن طريق الكلمة، لا يخلو أحياناً أو دائماً أن يتمادى بعضنا أو كلنا في التعالي على القارئ أو ما سُمّي بالمرسل إليه، وفي مثل هذه الحالة فقد لا يفهم شيئاً من الرسالة وقد يعرض عنها من السطور الأولى، لاسيما إذا كانت حصيلته من المعرفة محدودة ولا تساعده على فك بعض الرسائل المشفّرة.


وبعضنا للأسف يستخدم بعض العبارات وأحياناً بعض الألفاظ التي تبعث على الحيرة. ويزيد الطين بلّه لدى القارئ حين نستخدم بعض المصطلحات أو نحاول التفاصح لنبدو على مستوى رفيع في الكتابة الأحدث والتي لا تقيم وزناً للوضوح ولا يعنينا حينما نكتب – مستوى القارئ وأهمية أن يفهم ما نكتب – وما نحاول إرساله إليه من رسائله.


وهناك الكثيرون ممن يتحسّرون على الحبر الذي سال والورق الذي أسودّ بياضه في كلام لم يصنع وعياً ولم يخلق جمهوراً يستطيع أن يدافع عن القضايا التي تضمّنتها الكتابات الغامضة والمشفّرة بالنسبة للقارئ العادي، وليس القارئ المثقّف القادر على استيعاب ما يكتبه الكتّاب من سكّان الأبراج العالية.


وإن كنت وما زلت أسمع كثيراً من شكاوى هذا الصنف من المثقفين عن الصدمات التي يعانونها تجاه كتابات عدد من كبار الكتّاب الذين يكتبون بلغة يصفونها بالأرستقراطية، لغة لا يشك أحد في عربيتها والتزامها قواعد الإعراب، وفي سلامتها من نقص في الإملاء وأساليب وتركيب الجملة، لكنها مع ذلك تبقى عاجزة أو بعبارة أخرى يبقى القارئ المثقف غير قادر على فهم ما تريد إيصاله من مدلول فكري أو سياسي.


لقد تمكنت الصحافة العربية، والجادة منها خاصة، من صياغة أسلوب أخذ منذ وقت طويل صفة «الكتابة الصحفية» وهي هذا النوع السائد والرائج الذي يجمع بين وضوح المعنى وبساطة الأسلوب.


ورغم وحدة القاعدة في هذا النموذج الكتابي إلاَّ أن هذه الوحدة لا تلغي التنوّع وتعددية المستويات، ولكن رغم هذا الجهد الذي تبذله الصحافة العربية، وأكرر كلمة الجادة، فلا يزال سؤال الجدوى مطروحاً. وهو: هل حققت الكتابة بأشكالها المختلفة من فكرية وسياسية وصحفية وأدبية وشعرية الهدف الذي يتوخاه الكاتب، كبيراً كان أم صغيراً مشهوراً أو مغموراً؟ والإجابة التي لا خلاف عليها واضحة في الواقع العربي بضعفه وانكساراته. ولكن هل تعود مسؤولية هذا الخذلان وهذا التردي في الواقع على الكلمة وعجز ما تمتلكه من معنى كبير عن التحدي الأكبر؟


والإجابة عن السؤال الأخير يتطلب رؤية أوسع من النظر إلى دور الكلمة وحدها، إذ تشاركها في تحمّل مسؤولية ما حدث ويحدث جهات أخرى ذات وزن في التأثير والتغيير، وفي مقدمة هذه الجهات الأنظمة الحاكمة، يليها في المسؤولية المنظمات السياسية التي غابت عن الساحات وأثبتت فشلها مع الشارع بكل مكوناته وانشغلت إما بالخلافات القائمة داخلها أو تلك القائمة بينها وبين منافسيها من منظمات فاشلة بلا مشروع أو تدّعي امتلاك مشروع تجاوزه الزمن وصار غير صالح للمرحلة الراهنة بإشكالياتها والتعقيدات التي استجدت، وإفرازاتها الاقتصادية والاجتماعية تختلف عما كان عليه الحال قبل أربعين أو ثلاثين عاماً.


 


 

Exit mobile version