هل أوروبا جادة في مكافحة إرهاب الدولة؟
شاركت قبل أيام في مؤتمر صحافي ببروكسل عقد من أجل الكشف عن معلومات جديدة بشأن المخطّط الإرهابي الذي دبّره دبلوماسي إيراني تابع سفارة طهران في النمسا ومجموعة رفيقة له بهدف تفجير المؤتمر السنوي العام للمقاومة الإيرانية في باريس يوم 30 يونيو (حزيران) من هذا العام. وبصفتي رئيس لجنة التضامن العربي الإسلامي مع المقاومة الإيرانية، كنت قد وجّهت الدعوة إلى العشرات من الشخصيات السياسية من الدول العربية للحضور في هذا المؤتمر الذي يعتبر أكبر تجمّع للمعارضة الإيرانية في الخارج، بل يمكنني القول بأنه أكبر التجمعات السياسية في العالم الغربي على مدار العام.
ولا حاجة إلى القول بأن هذه الخطة الإرهابية وعملية التفجير إن كانت نجحت – لا سمح الله – لخلّفت مئات بل آلاف من الضحايا بين عشرات الألوف من الحضور في الصالة الكبرى في منطقة فيلبنت الباريسية، ومئات من الشخصيات الضيوف الذين جاؤوا من مختلف الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا والدول العربية والآسيوية وغيرها من خَمس قاراتٍ.
المعلومات تفيد بأن هذه العملية كانت تحت الدراسة في طهران منذ أشهر، وتم اتخاذ القرار بشأنها في شهر يناير (كانون الثاني) من هذا العام على مستوى قمة السلطة. وكان القرار مكوّنا من خطتين: الخطة «ألف» كانت عملية تفجير في ألبانيا في 21 مارس (آذار) الذي صادف رأس السنة الإيرانية الجديدة (النيروز)، وأثناء احتفال المقاومة الإيرانية بهذه المناسبة في تيرانا بمشاركة آلاف من أعضاء المقاومة وقيادتها وبحضور الضيوف من المسؤولين الألبان ومن دول أخرى. بعد ما فشلت الخطة «ألف» جاء دور الخطة «باء» وهي تفجير المؤتمر السنوي العام للمقاومة في باريس.
ومن خلال استقصاء المعلومات والأخبار الموجودة نرى أن نظام الملالي لم يدّخر أي إمكانية إلّا استخدمها لتنفيذ هذه الجريمة، ويظهر من دراسة الوقائع أن النظام كان على ثقة بنجاح الخطة، وإلا فكيف يمكن فهم قيام دبلوماسي رسمي تابع للنظام بنقل المتفجّرات شخصيا من فيينا إلى لوكسمبورغ، عبورا من ألمانيا، وتسليمها إلى عضوي الخلية الإرهابية النائمة التي أعدت سرّيا منذ سنوات في بلجيكا من أجل تنفيذ مثل هذه العملية؟
فالصورة واضحة، وبمرور الوقت ستتضّح أكثر عندما يتيسّر للمحامين مراجعة ملفّ التحقيق القضائي. لكن ما لا شكّ فيه، ومعلومات المقاومة الإيرانية أيضا تؤيده، وجود قرار سياسي مدروس من أعلى المسؤولين لتنفيذ هذه العملية. حتى إذا لم تكن هناك معلومات محدّدة فلا شكّ أن عملية كهذه كانت قيد الدراسة منذ زمان لدى الجهات السياسية العليا من زعيم هذا النظام ورئيسه وقادته الكبار. لأنهم يعرفون أن آثار هذه العملية لن تقتصر على إلحاق ضربة كبيرة بالمقاومة الإيرانية وعلى أصدقاء المقاومة، بل تتعدّى ذلك لتشمل فرنسا بشكل خاص بصفته البلد الذي يقع فيه هذا الحادث الكبير الذي يقول المختصون بأنه لو وقع لكان أكبر عملية إرهابية في تاريخ أوروبا.
هنا يعود السؤال: لماذا هذا القرار؟ أعتقد أولا أن هذا النظام كما هو جد معروف منذ نشأته اعتمد على الإرهاب كإحدى ركائز قوته في توازن القوى. ويكفى إشارة عابرة إلى أكثر من 450 عملية إرهابية نفّذها ضد الأهداف الإيرانية وغير الإيرانية في الغرب والشرق. من جهة أخرى هذا القرار الذي كان ثمنه كبيرا جاء بسبب حاجة النظام الماسة إلى هذه العملية الإجرامية كمخرج من المآزق الذي وقع فيها النظام الإيراني: انتفاضة الشعب في الداخل الذي يطالب برحيل حكامه، والمقاومة الإيرانية التي تعمل منذ 40 عاما من أجل تخليص الشعب الإيراني وشعوب المنطقة من القمع والإرهاب والحروب والمجازر.
وفيما يخص بلدي الجزائر فنعرف جيدا طبيعة هذا النظام التي تعتمد على استخدام قوى التطرف الديني والعنف والإرهاب، وتلك الطبيعة تبيّنت لنا لما اتضح أن نظام طهران قد شرع في تشكيل خلايا سرية غرب الجزائر منذ الثمانينات من القرن الماضي ثم ذهب في بدايات العقد التاسع من القرن المنصرم إلى تقديم مساندة سياسية ومادية لصالح الجماعات المتورطة في الإرهاب. إذن جاء قرار الرئيس المرحوم محمد بوضياف بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وهو قرار تم تأكيده وتنفيذه بعد اغتيال الرئيس بوضياف.
وفي هذه القضية نرى أن السلطات القضائية الأوروبية تعلن أن دبلوماسيا إيرانيا محترفا معتمدا في النمسا وقع في يد العدالة الألمانية، وبناء على التقارير الرسمية هو الذي نقل المتفجّرات إلى الزوجين الإرهابيين في لوكسمبورغ، وهذه الوقائع خلقت حالة يرى فيها الغربيون أن إرهاب الدولة لا يعني البلدان العربية المسلمة فقط، بل يستهدف الغرب أيضا. فعلى السلطات الأوروبية بشكل عام والألمانية والبلجيكية بشكل خاص ألا تستسلم لأي صفقة مقايضات، وتترك للقضاء عمله المستقل إلى نهاية المطاف. وأقول إن الوقت قد حان لمحاسبة الإرهاب أيا كان، بما فيه إرهاب طهران داخل إيران وخارجها.