أعياد كثيرة وأفراح أقل

 


للأعياد في الظروف الطبيعية الخالية من المنغّصات والموجعات أفراحها ودلالاتها الروحية والمادية، ولها من جماليات المكان والزمان ما لا يكون في غيرها من الأيام. ويرجع جانب من التماهي مع أفراحها إلى زمن الطفولة، حيث القلوب طرية وبريئة لا تحفل بشيء مما حولها مما قد يكدّر الكبار ويعكر صفوهم. ولا أحد ينكر بأن أعيادنا الآن كثيرة، منها الديني والوطني والقومي، وأعياد أخرى للأم وللشجرة، لكن أفراحنا بها جميعاً قليلة أو معدومة، وفي السنوات الأخيرة خاصة لما حدث ويحدث في عدد من الأقطار العربية من حروب عبثية، وما يسيل على أرضها من دماء تتحوّل معها الابتسامات إلى آهات ودموع، كما تحوّلت كلمة «العيد» إلى مصطلح تقليدي فقد معناه وألقه، وصار اسماً عابراً في الذاكرة محمّلاً بالحنين والشجن.


ولا يخلو في هذه الظروف الداكنة من ناس يحاولون افتعال نوع من الفرح المصطنع، إلاَّ أن محاولاتهم تصطدم بالواقع وتغدو محكوماً عليها بالفشل. فالأفراح الحقيقية لا تأتي من خارج النفس بل من داخلها، من الأعماق، وهناك شعوب على هذه الأرض التي نحيا عليها تعرف كيف تصنع الفرح الحقيقي من خلال ما يقوم به المبدعون من أبنائها وما يقدّمونه من أعمال مادية وفكرية تضج بالأمل والمباهج في النفوس، وتحرر الغالبية من مواطنيهم من الفاقة والخوف، وهذان الخصمان اللدودان هما وراء كل ما حدث ويحدث في بعض أقطارنا من حروب واقتتال ومنازعات، تفرّق بين الأخ وأخيه والجار وجاره. فأين نحن من هذا الذي يحدث في الشعوب الآمنة المستقرة التي تمارس أفراحها في أجواء من السعادة والشعور بالأمل، وتقاليد روحية وطقوس ترتبط ببعض مظاهرها، وتجعل الظروف صالحة لإقامة ما هو أهم من هذه الظواهر، وقد مرَّت علينا نحن العرب في الفترة المتأخرة ظروف قاسية أفقدتنا أو بالأحرى أفقدت بعضنا القدرة على تمثّل هذه المناسبات والتفرّغ للاحتفاء بها. وصارت أيام الأعياد تمر والغالبية منصرفة إلى همومها ومعاناتها الآنية.


نعم أعيادنا كثيرة لكن أفراحنا قليلة وتكاد تكون معدومة، نتيجة ما اقترفته أيدينا أو اقترفته القوى المعادية، تساعدها وتمكن لها القوى النافذة محلياً، وسوف يستمر هذا هو حالنا إلى أن يتغير ما في الواقع من دواعي الانشغال عن الأعياد وعن كل مناسبة كانت مصدر فرح وابتهاج، وليس صحيحاً من جوانب نفسية وواقعية القول إن الأفراح، ولو كانت زائفة، تساعد على مواجهة التعثر وعلى مقاومة الخطايا الراهنة، وذلك القول يشبه من يقنع المريض بأن يتفاءل بالشفاء ولا يستخدم أي علاج، لأن التفاؤل وحده كفيل بالقضاء على المرض.


إن علينا أن ندرس أسباب تخلفنا، وأن نتوجع من هذا الركام الذي يفسد حياتنا ويحول بيننا وبين الفرح الحقيقي، وألاّ تغرّنا المهدئات والوعود الزائفة التي تحاول أن تنسينا المصائب والمصاعب التي تحيط بنا من جميع الجهات.


وللعيد مع الشعر حكاية، بل حكايات، فقد تناول الشعراء هذه المناسبة، كل شاعر بما توحي به إليه ظروفه سعيدة كانت أو شقيّة، ويبدو من خلال استقراء سريع لمواقف بعض الشعراء من العيد أن الأغلبية من خصوم العيد، إذا جاز التعبير، سواء كانوا قدماء أو معاصرين على رأي المتنبي في بيته الشهير: «عيد بأية حال؟» الذي كان لسان الحال في عصره وبعد عصره وحتى الآن. وهناك من الشعراء المعاصرين من دعا إلى تأجيل الأعياد إلى أن تتحسّن أوضاع الأمة وتستعيد عافيتها، كقول الشاعر إسماعيل صبري: «لا عيد لي حتى أراك بأمة شمّاء» أو كقول شاعر آخر عن اعتيادية يوم العيد الذي يشبه كل الأيام: «وكأي يومٍ مرَّ يوم العيدِ، تتعثر الخطوات غير جديدِ !».


 

Exit mobile version