لماذا يتوجب ادارة معركة العلمانية مع معركة استعادة الدولة؟

 


ما ورد في بيان حزب الاصلاح ،الذي استغرب الزج باسمه في معركة العلمانية، ودعوته  للجميع الالتفات الى المعركة الوطنية، ليس اكثر من مطالبته الأخرين الكف عن الخوض في قضية طالما شارك متحزبوه (قيادة وقواعد)  في غارات شرسة تكفيرية وتحريضية ضد المتعاطين معها، وعلى وجه الخصوص اؤلئك المدافعين والمطالبين بتجسيد قيم الدولة المدنية، في مجتمع ذاق ويلات الاستبداد من حركة الاسلام السياسي ( بتحالفها العسكري والقبلي)  ،التي سعت لتعزيز نزوع اصحابها الاحادي في ادارة المجتمع وطريقة تفكيره ،لإطالة امد سلطتها الروحية والزمنية في بنية  فقيرة  متخلفة، يسهل قيادة سكانها وسرقتهم بشعارات وطنية ودينية خادعة.


اما تجريم الخوض في موضوع العلمانية حسب بيان جمعية علماء اليمن، التي طالما شكلت السند الواقي لخطابات تكفير وتحريض المتشددين من الزنداني وبنيه الى العديني، وما بينهما من اصحاب العاهات والمرضى، فهو الاخطر حين اعتبر “العلمانية نظام وضعي كفري ودعوة خبيثة تستهدف أصول الدين وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء، واعتداء على حقوق الله تعالى، وفتنة المسلمين في دينهم، ونشر الجندر والشذوذ الجنسي، وهي سبب التخلف والفساد والاستبداد في البلدان التي حكمتها”


وحين دعا “الجماعات والأحزاب والجمعيات الدعوية اليمنية إلى القيام بواجبها في توعية أفرادها والمجتمع وتحذيرهم من الدعوات الهدامة وفي مقدمتها الترويج للدولة المدنية العلمانية، والعمل على التصدي لها ولدعاتها وكشف زيفها، والرد على شبهاتها، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وبالطرق المشروعة، وأن لا يقروا في عضويتهم من يدعو إلى ذلك ويروج له.”


لغة الخطاب التكفيرية والتحريضية المستخدمة هنا، هي ذاتها التي استخدمها بالأمس، ولم يزل رموز متشددون في التيار الاسلاموي الذي انتفع لعقود طويلة من فساد السلطة واستبدادها، وهي ذات اللغة التي تستخدمها القوى الدينية الكهنوتية  المتحكمة الان، التي توسم مناهضيها، حتى من غير خصومها الدينيين بالمرتزقة والعملاء والمنحلين.


فكلا القوتين، ومن منطلقهما الاستبدادي الذي يستخدم الشعار الديني للتحشيد والمناصرة والاكراه، تناهضان اية دعوات مدنية تعرِّي الاستبداد الديني والفساد السياسي والافقار، والذي ترتب على تضخمهما في الاصل ولوج البلاد الى نفق المحنة المعتمة، التي نعيشها راهنا.


لهذا فان ادارة معركة استعادة الدولة على اساس وطني ينبغي ان يتلازم مع ادارة معركة تنوير وتثوير معرفي  تعمل على  صياغة المقدمات، التي تبصِّر الجميع بمخاطر التفرد بالقرار وعلى راسها الادارة والحكم ،وكشف مثالب المحاصصة  السياسية، التي تتهيأ اغلب مكونات الاحتراب (القوى الدينية والانعزالية العنصرية والقبلية) لتمريرها من بوابة السلام الشائه، الذي يراد فرضه على الجميع.


والمسألة عندي ليست تعاطيا مع بوست (المناكفة) الذي اختزل الدعوة الى العلمانية في عملية قطع الطريق على الكهنوت والقيصر حين قالت السيدة توكل” دولة علمانية ديمقراطية هي الحل.. العلمانية للتخلص من الكهنوت والديمقراطية للتخلص من القيصر”، فالمسألة ليس شعارات فارغة للاستهلاك او التسويق، وانما عمل تأصيلي شاق يحرث في الوعي، يبدأ من المنهج التعليمي التربوي والعائلة وينتهي بالممارسة على الارض.


نعم نحن بحاجة لنقاشات جادة ورصينة لدولة مدنية ديمقراطية يستطيع فيها العقل المجتمعي تحرير الدين ممن يستغله لأغراض سياسية وانتفاعية، لان الخوض في مقاربات الدعوات العلمانية الذي يرده المتكلسون دائما الى استحالة المقارنة بين وضعية رجال الدين في الاسلام ونظرائهم المسيحيين، الذين ارادوا ان يكونوا الواسطة بين الله والبشر, فأمره محسوم جدلا هنا، والخوض فيه تكرار ممل وفارغ.


اليوم صار الدين (الاسلام) تحتكره الجماعات الظلامية في الطرفين (السني والشيعي)، وتستعمله كوسيلة لتحقيق مشروعها الذي تتوسل فيه السلطة، حتى غدا عند الاخر، غير المسلم، هو نفسه دين الارهاب الذي يأمر بالقتل والاعتداء والانتحار باسم الجهاد، ولهذا صار لزاما تحريره من فساد هؤلاء ودمويتهم، فالعلمانية هنا تصير دعوة واضحة لفصل الدين عن الحركات الظلامية، وهي في الاصل عملية لمنع تسييس الدين وتديين السياسة كما يذهب محمد بودهان


لتنازل عن حقنا الغابي كأفراد وجماعات عصبوية، ونخوِّل الدولة بمؤسساتها احتكار القوة لإنفاذ قوانين مدنية نرتضيها ونتوافق عليها عبر انتخابات تكافؤية لا يدخل فيها الدين كشعار سياسي، قوانين تصون حقوق الناس (في الحياة الكريمة والمواطنة وحرية الاعتقاد) وهذا لا اظنه يتنافى مع روح الاسلام في شيء، وهو في الاصل احد اهم شروط  تجسيد ثقافة الدولة المدنية، وهذا هو اس المعركة التي ينبغي ان تتلازم مع معركة استعادة الدولة، من اجل قطع الطريق على اي قوى مغامرة في المستقبل تريد احتكار كل شيء باسم الله او الوطن او الحق والولاية.


 


 

Exit mobile version