سلطة «الحشد الشعبي»
لم تتردد ميليشيات الحشد الشعبي في العراق في مهاجمة رئيس الوزراء حيدر العبادي، واتهامه بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية، بعدما شعرت أن سيف القانون بدأ يقترب من رقبتها، خاصة بعد أن اتخذ العبادي مؤخراً توجيهات قضت بإلغاء مضمون القرارات الصادرة عن هذه الميليشيات وعدم تسييسها خدمة لمشاريعها وأجندتها المرتبطة بدول أجنبية، ونعني بها إيران، التي تجاهر الميليشيات بالولاء لها.
هجوم هيئة الحشد الشعبي يعبر عن ضيقها بالقرارات التي أصدرها العبادي، وطالب من خلالها الميليشيات بالالتزام بالقانون والتعليمات، التي تقضي بعدم تسييس هيئة الحشد، وعدم قيامها بإلغاء أو استحداث تشكيلات، إلا بعد الحصول على موافقة القائد العام للقوات المسلحة، أي إلى العبادي نفسه، حيث جاء موقف العبادي بعد قيام الهيئة بإلغاء محاور عمليات غرب وشرق نينوى، وعمليات بيجي، ونقل اللواء المتواجد في سنجار إلى خارج المدينة، إضافة إلى إخراج مقار الألوية من المدن، لأن ذلك يخالف منطق القانون العسكري والسياسي معاً.
لم تجد هيئة الحشد من تهمة للعبادي إلا العمالة للولايات المتحدة الأمريكية، وأن موقفه الأخير ضد ميليشياتها، يأتي ضمن المعارك السياسية الجارية في الساحة العراقية للحصول على منصب رئيس الوزراء لولاية ثانية، بل أكثر من ذلك أكدت الهيئة أن «استخدام العبادي لسياسة الضغط وليّ الأذرع خلال الأعوام الماضية كان مجاملة للأمريكيين من أجل تحقيق هذا الهدف»، معتبرة أن مهاجمة العبادي للحشد يهدف إلى «إسقاطه معنوياً»، وأن هذا الموقف يخالف توصيات المرجعية الدينية القاضية بعدم التهجم على رموز الحشد، وكأن الحشد هيئة فوق المساءلة وأعلى من القانون.
دور الحشد الشعبي في الحياة السياسية بدأ يأخذ حيزاً أكبر، أو هكذا أريد له أن يكون من قبل قوى خارجية، بعد أن كان الكثير يؤمل بأن تتوقف مشاركة «الحشد» مع توقف القتال ضد «داعش»، على أن تقوم الدولة العراقية بحله، خاصة وأن القانون يمنع وجود تشكيلات مسلحة تنتهج العمل السياسي، لأن ذلك يفتح الباب أمام عسكرة الحياة السياسية والمدنية في البلاد بأكملها، وقد صدرت أكثر من دعوة من قبل سياسيين ورجال دين تناشد الحكومة بالعمل على حل «الحشد الشعبي»، بعد الانتهاء من المعركة ضد تنظيم «داعش»، استناداً إلى ما أقدم عليه من ممارسات وانتهاكات أساءت إلى الدولة العراقية.
كان من الواضح منذ تشكيل ميليشيات الحشد الشعبي توجهها الموالي لإيران ومخططاتها في المنطقة، ولا يخفى على أحد الدور الذي تقوم به اليوم في إعادة رسم المشهد في العراق الجديد، وفي خضم الصراع الجاري في البلاد لتشكيل الكتلة الأكبر تمهيداً لتشكيل الحكومة الجديدة، تبدو مهمة الحشد الشعبي قائمة في إبقاء خيوط اللعبة كلها في يد الجار الإيراني، وهو ما ترفضه كثير من القوى السياسية العراقية التي ترى أن المهمة التي تأسست هذه الميليشيات من أجلها قد انتهت، وأن الوقت قد حان لتصويب العلاقة الملتبسة بين السلطة العراقية والحشد الشعبي، وفي صحوة العبادي الأخيرة دليل على استشعار الخطورة التي يشكلها بقاء هذه الميليشيات على حاضر العراق ومستقبله.