الحوثيون وإجهاض سلام اليمن
يحرص المجتمع الدولي على منح اليمنيين الأمل في إعادة الاستقرار إلى بلادهم، التي دمرتها الحرب التي أشعلها الانقلابيون الحوثيون عام 2014، والإمارات المنضوية في إطار التحالف العربي عبرت أكثر من مرة عن رغبتها في أن يتوصل الأفرقاء اليمنيون إلى اتفاق يؤدي إلى اختصار مأساة بلادهم عبر الحوار السياسي، الذي تدعمه الإمارات، ليتمكن الجميع من إعادة رسم مستقبل بلادهم، لكن الحوثيين يثبتون من جديد أنهم غير جادين في التوصل إلى حلول سلمية، وجاءت مواقفهم الأخيرة بشأن مشاورات جنيف 3، لتعطي للعالم برهاناً إضافياً على التعنّت الذي يمارسونه بهدف ابتزاز العالم والخضوع لمنطقهم وشروطهم، التي أعلنوا عنها، من بينها نقل بعض جرحاهم وقياداتهم الميدانية إلى الخارج، ما يخالف الاتفاقات بين الأمم المتحدة والتحالف المؤيد للشرعية اليمنية.
لم يكن موقف جماعة الحوثي مفاجئاً للمراقبين، فمثل هذه المواقف تعوّد المجتمع عليها خلال المشاورات السابقة، فقد كانت تحرص على اتباع مثل هذا السلوك عند بدء كل محادثات، كما كان عليه الحال عند انطلاق المشاورات في جنيف 1 و2، والكويت، حيث كانت المحادثات مهدّدة بالإلغاء نتيجة لهذه المواقف غير المسؤولة.
ما لم يفت المراقبون فهمه هو أن الجماعة لا تملك قرارها المستقل، بل إنها محكومة بنصائح ومشورات أطراف خارجية، ولعلّنا جميعاً نتذكر اللقاء الذي جمع وفداً من الحوثيين بزعيم «حزب الله» حسن نصرالله في بيروت قبل نحو أسبوعين، فكلمة السر تبدأ وتنتهي هنا، فالتعليمات صدرت من الحزب للجماعة لوضع العراقيل التي من شأنها أن تربك انطلاق المشاورات في موعدها المحدّد، وتمنح الجماعة هالة من الاهتمام الإعلامي، كما هو الحال عند انطلاق كل محطة من المفاوضات السابقة.
كانت لقاءات وفد الحوثيين بقيادة «حزب الله» تأكيداً على أن القرار هو في يد إيران وذراعها الأولى في المنطقة، ويبدو أن خبرة الحزب في المناورات والكذب والتدليس في مواقفه حيال الأزمات الداخلية في لبنان وخارجه، خاصة مشاركاته في الحرب السورية، رجّحت الكفة، مقابل حرص الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن مارتن جريفيث، الذي قام بأكثر من زيارة إلى صنعاء منذ توليه المهمة في مارس/ آذار الماضي، حيث بدا متفائلاً عندما أشار إلى أن طرفي الحرب، وهما الشرعية وجماعة الحوثيين، وافقا على المشاركة في المشاورات، التي ستكون أرضية لبناء الثقة، قبل أن يحدد موعداً لانطلاق محادثات ومفاوضات أوسع تشارك فيها الأطراف كافة.
من السهل معرفة نتائج المشاورات القادمة، التي خصصت لها الأمم المتحدة ثلاثة أيام، فكما يقال «الكتاب باين من عنوانه»، فإن نتائج المشاورات واضحة من مواقف الجماعة، التي لم تبدِ أي نوع من المرونة مع المساعي الأممية والإقليمية الهادفة إلى وقف الحرب والوصول إلى حلول سلمية، فالعراقيل التي تضعها أمام المشاورات أكثر الأدلة وضوحاً على عدم الرغبة في التوصّل إلى اتفاق ينهي معاناة ملايين اليمنيين، ذلك أن وقف الحرب سيلحق الضرر بمبدأ الحوثيين الأساسي، المتمثّل بالقتل والتدمير والإثراء، بعدما تحوّل قادتها إلى أمراء حروب في فترة زمنية قصيرة.