حتى بيت حميدالدين عادوا يا “أبو راس”!
قيل أن صادق أمين أبو راس قال في اجتماع للجنة العامة لحزب المؤتمر في صنعاء، إن كل الذين اضطروا لمغادرة مناطق سلطة الحوثي إلى خارج اليمن أو إلى مناطق ومدن أخرى داخل اليمن، سيكون مصيرهم شبيهاً بمصير بيت حميد الدين. بمعنى أنهم لن يتمكنوا من العودة من المنفى نهائياً.
نحن نعرف أن هذا القياس التاريخي كان يقوله الزعيم صالح في خطاباته -خلال تحالفه المشؤوم والاضطراري مع الحوثيين- كجزء من الحرب النفسية وتحطيم معنويات خصومه وتشكيك رعاتهم الخليجيين حينها في إمكانية كسب الحرب. وكان يقوله في بعض الأحيان بغرض لمز الحوثيين عبر التذكير بمصير بيت حميدالدين، إضافة إلى التأكيد لأنصاره أيضاً بأن تحالفه الاضطراري مع الحوثيين لا يعني التفريط أو التنازل عن موقفه من النظام الجمهوري ولا عن اعتزازه وإيمانه بثورة 26 سبتمبر.
وكان صالح تحديداً يقصد بذلك خصمه الرئيس عبدربه منصور هادي وبعض رجاله.
لكن أن يستخدم صالح هذا القياس التاريخي، هو شيء يختلف تماماً في مغزاه وغرضه السياسي وتوقيته، عن التوقيت والمغزى الغبي الذي يستخدمه به صادق أبو راس. علاوة على أن صالح كان يتحدث وكان لكلمته وزن وتترك أصداء واسعة ويحسب لها ألف حساب.
وفي كل الأحوال، هو قياس خاطىء من ناحية تاريخية ومنطقية. فنسبة من تركوا مناطق سيطرة الحوثيين لا يمكن مقارنتها أبداً بعدد الاماميين والملكيين من بيت حميد الدين الذين لم يتمكنوا من العودة بعد انتصار ثورة 26 سبتمبر الخالدة وتثبيت الجمهورية.
مع التنويه هنا بأن أعداداً كبيرة من معسكر الملكيين والإماميين عادوا إلى صنعاء وتم تعويضهم وبناء منازل لهم ودمجهم في النظام والدولة الجمهورية بموجب اتفاق المصالحة في عام 1970. وهؤلاء العائدين تسنموا مواقع مهمة في الدولة الجمهورية التي يفرض منطقها عدم التمييز بين المواطنين على أساس العنصر والسلالة. وقد التحم غالبية أولادهم وأحفادهم مع الحركة الحوثية وارتقوا في هياكل سلطتها النقيضة لهياكل جمهورية 26 سبتمبر.
وببساطة يمكن الرد على كلام أبو راس هكذا:
يا “نقيب” صادق، بيت حميد الدين عادوا وهم يحكمونك الآن وأنت في قبضتهم. فبيت حميد الدين كانوا يمثلون مشروع الكهنوت والإمامة وليسوا مجرد أفراد أو عائلة حكم ذهبت إلى المنفى وانتهى الأمر. وهذا المشروع تم بعثه وتمكينه من جديد وقد عاد بصيغة جديدة أكثر تخلفا من صيغة آل حميد الدين، وإن كانت المنطلقات والأسس واحدة، فالصيغة الجديدة والصيغة القديمة يصدران من النبع العكر والمتسلسل نفسه.
كيف لك أن تقرر أو تجزم بأن كل القوى والقيادات والأطراف التي استهدفها الإماميون الجدد الذين قتلوا واعتقلوا وملأوا السجون بخصومهم وحلفائهم.. كيف تقرر أنت يا “نقيب” بأن الناجين والفارين من نير الكهنوتيين لن يعودوا إلى وطنهم مثلما بيت حميد الدين؟ مع علمنا بأنك وزملاءك من قيادات المؤتمر في صنعاء تعيشون في وضع يشبه وضع الرهائن بل وأسوأ من ذلك بكثير.
فإذا كان مشروع بيت حميد الدين قد عاد وهو الآن يحكمك في العاصمة ويحصي أنفاسك، فمن باب أولى أن لا تستبعد عودة محتومة لمشروع الجمهورية وذلك الطيف الواسع من اليمنيين، في الداخل والخارج، المؤمنين بالمساواة والعدالة والمواطنة والديموقراطية وسيادة العقل والمعرفة بدلاً عن الخرافة والأباطيل.
وهذه العودة آتية لا ريب فيها، طال الزمن أو قصر، وسواءً استمر التحالف بقيادة السعودية أو توقف بصفقة مع الجماعة الكهنوتية التي هي محاولة لإعادة وصل ما كان قد انقطع من خط أسلافهم الإماميين والملكيين المهزومين في ستينات القرن الماضي عندما كانت السعودية مظلتهم وحليفهم العنيد ومصدر تمويلهم وتسليحهم وإيوائهم.
فمع مرور الوقت، سوف تتهيأ شروط ومقتضيات عودة الجمهورية، حتى لو بدا ذلك الآن صعباً ومتعذراً في ظل الانقسامات الراهنة والأخطاء والفشل.