مقالات

عن الأوطان و«الإخوان»

 


حتى في أجواء الحرائق والخرائب وروائح الدم والموت يكون لمذاكرات جنرالات الحرب طعم يفتح الشهية. ولربما بدت أشد إثارة من سير زعماء السياسة وعمالقة الأدب وحتى الفلاسفة، إذ سيأخذك جان جاك روسو في اعترافاته إلى أجواء ليست بغرائبية ماركيز، وإن لم تقل إثارة عن طفولة جوركي البائسة، وحياة نيرودا المخملية، غير المتوقع أن تستمتع بالحديث عن المعادن والصخور والرمال كما لو أنك وسط المغاني وبين الغواني. ذلك يحدث إن كنت بصحبة مفكر يجول بك في طبقات الأرض قبل أن ينقلك إلى عالم السياسة والاقتصاد والاجتماع.


لسوف تتغير نظرتك للجيولوجيا باعتبارها من العلوم الجافة وستولع بها بفضل العالم الكبير الدكتور رشدي سعيد. أما أنا فقد أغراني بعد قراءة ذكرياته «رحلة عمر» أن أحصل على كتابه «جيولوجية مصر»، إذ ترسخ في ذهني أنه يوازي في قيمته إنجاز الجغرافي العظيم «جمال حمدان» «شخصية مصر».


رشدي سعيد لم يكن ناصرياً بالمعنى الإيديولوجي، فقد اشتغل في المجال العام من نزعة وطنية صرفة وانتخب في البرلمان وفي الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي في عهدي جمال عبد الناصر وأنور السادات، لكنه قبل ذلك وأهم منه أستاذ في الجامعة كعالم وخبير تعرفه وتطلبه أرقى الجامعات والمكاتب الاستشارية في العالم. وهو على أي حال لم ينخرط في الجماعات المتنافسة والمتصارعة على السلطة وبالأحرى لم يكن متعاطفاً مع جماعة علي صبري التي اصطدمت بالسادات وخسرت معركتها معه في 15 مايو/أيار 1971. وكان سعيد كما يقرر منحازاً إلى الرئيس ضد المجموعة التي صنفها باليسار الوطني واتهمها بالانغلاق. وهنا نتوقف أمام الأمر الأول المتصل فيما شهدته مصر من نهضة اقتصادية وعلمية هائلة في الخمسينات وفي الستينات تحديداً. حتى بعد هزيمة يونيو/حزيران لم يتوقف البناء وإن تعثرت بعض المشاريع. ثم ذلك الانهيار الكبير الذي كرسه نظام تحالف المقاولين والسماسرة في السبعينات رغم انتصار أكتوبر/تشرين الأول، وأن ما حدث لم يكن مرده اجتهادات خاطئة في إدارة السياسة والاقتصاد وإنما كان التخريب قصداً مقصوداً. فلقد أراد السادات أن يشتري رضا الولايات المتحدة بتصفية القطاع العام وبدأه قبل وقت طويل من عملية الخصخصة، وذلك بخنق الشركات والمؤسسات العامة مستخدماً الأدوات المالية والنقدية وإغلاق مراكز البحوث العلمية التي تزودها بالدراسات والأبحاث،والتوجه عوضاً عن ذلك إلى طلب المساعدات والقروض من الدول النفطية على وجه التحديد.


الأمر الثاني، هو ما أكد لي سيكولوجيا واحدة لعناصر «الإخوان المسلمين» حيث حلوا، وسلوكاً متأصلاً فيهم في أي زمان وجدوا. وكان رشدي سعيد يتحدث عن عضو في الجماعة يدرس معه في الجامعة وكأنه يصف زميلي الإخواني في الوظيفة. قال إن زميله الذي لم ينل تعليماً جيداً خلق جواً كئيباً في قسم الجيولوجيا بكلية العلوم في جامعة القاهرة، فهو دائم الشكوى من تخلفه في الترقية يتهم زملاءه الأقباط والعلمانيين بالتآمر عليه، وهو مشغول بالاستقطاب عن البحث في المعامل والمكتبة. يختار التدريس في السنة الأولى ولا يكف عن زرع الكراهية في نفوس التلاميذ ويوغر صدورهم من العلمانيين والأقباط فوق هلعه وبحثه الدائم عن المال.


ثلاثية الخبث والحقد والجشع نراها هناك كما لو أننا نعيش مع «الإخوان» في أي مكان. فقد افتتحت الحرب في أفغانستان لوناً من التجارة يمزج بين الرق والارتزاق، إذ كان الشباب يباعون كالعبيد ويقاتلون مثل مرتزقة ويقبض ثمن هذا الارتزاق من قادة «الإخوان». ولقد راجت هذه التجارة وامتدت إلى بلدان ما سمي ب«الربيع العربي» والمناطق الملتهبة في آسيا وإفريقيا. ثم قدمت الحرب في سوريا شاهداً آخر على السقوط الأخلاقي ل«الإخوان» والجماعات الخارجة من رحمهم إذ هم هناك يقاتلون مع جيش أجنبي ضد بلادهم وفي سبيل أن يرفع علم دولة غازية فوق أرضهم. هو عداء «الإخوان» دائماً لأوطانهم وشعوبهم من أجل المال بقرتهم المقدسة.


قد يكون دافعهم موقفهم المناهض للعروبة باعتبارها جاهلية جاء الإسلام لإزالتها، وفي الأمر فكاهة تسيء للإسلام.


نقلا عن الخليج


 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى