كيـلـو 16 جمهوري

 


ليست مجّرد نقطة تفتيش على مدخل مدينة يمنية ذات كثافة سكانية عالية، وتضم بين جنباتها ميناء تجاريا دوليا، يقع على بقعة ذات أهمية استراتيجية على خارطة الحركة التجارية الدولية..


ولا هي مجرّد لافتة قياس مسافات وضعت على طريق عام يربط مدينة الحديدة، بالعاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة لها، ويعد هذا الطريق هو الشريان الرئوي الوحيد المتبقي لسكان المحافظات الواقعة تحت سلطة مليشيا الحوثي..


إنها كيلو16، محور اتجاه بوصلة المعارك في الساحل الغربي ومأرب وحجة وصعدة والبيضاء، هي بورصة الأسعار بلغة الاقتصاديين، وضربة المعلم بلغة السياسيين، هي مشاورات جنيف ميدانيا، وهي إحاطات المبعوث الأممي لمجلس الأمن، وهي قرارات مجلس الأمن، وهي ترمومتر قياس توجه رياح الاحداث.


حتّى في أحاديث البسطاء ممن يعرفون المنطقة جيداً، يقولون لك: “إذا قد سيطروا على كيلو16 فخلاص…”، وإذا سقطت كيلو16 سقطت الحديدة وسقط الميناء وسقط مطار الحديدة.. وإذا سقطت الحديدة “تناكعت بعدها حجة والمحويت وريمه”، وإذا وصلت المقاومة المشتركة إلى كيلو16 خنقونا في صنعاء”..


لمنطقة كيلو16 في الحديدة، إذاً رمزية معنوية ودلالات في الذهنية الشعبية، ربما تعادل رمزية قصر معاشيق في عدن، ولذلك فأخبار سقوطها أو السيطرة عليها سيكون لها تأثير معنوياتي شديد الفاعلية في صفوف المليشيا انهزاماً، يقابله تحفز معنوي عالٍ في صفوف قوات المقاومة المشتركة، وهذا التأثير سيمتد حتماً إلى مختلف الجبهات المشتعلة والمتوقفة في اكثر من محافظة يمنية.


وعلى المستوى السياسي والدولي، سيقلب هذا التطور الميداني طاولة المشاورات المرتقبة في جنيف رأساً على عقب، وبالتالي سوف يعيد ترتيب أوراق الأطراف السياسية من حيث أكثرها فاعلية وحضورا ميدانيا.


على المستوى المعيشي، فإن قطع خط الحديدة- صنعاء، وعزل ميناء الحديدة لبعض الوقت قد يفاقم من سوء الأوضاع المعيشية والجرعات السعرية المتتالية في المشتقات النفطية والمواد الغذائية الأساسية لسكان صنعاء وضواحيها، لكنها ربما تكون آخر ازمة، وعلى قاعدة “اشتدّي أزمة تنفرجي..”، قبيل تحقيق انفراجة تامة بتحرير الميناء وإعادته لوظيفته الأساسية في خدمة المواطنين، ومعه استعادة وظيفة شركة النفط لمهامها التي أنشئت من أجلها، في استيراد وتوزيع وبيع المشتقات النفطية بأسعارها المعقولة في حدود قدرة المستهلكين على الشراء وخاصة مادة الديزل للمزارعين.


وإذا كانت الأقدار شاءت أن تكون منطقة كيلو16 جمهورية في شهر سبتمبر الثورة والجمهورية، وتكون كيلو16 حبلاً خانقا للمليشيا الكهنوتية في المرتفعات، وسوطاً لاسعاً لمن بقي من فلولهم في السواحل، فيقيناً أنّ ما بعد كيلو16 ليس ولن يكن كما قبله..


 


 

Exit mobile version