لم يكن التحالف خيارنا.. عدوانية الحوثي وشتات القوى الوطنية
لم نكن مع التحالف، لا ابتداءً، ولا بعد سنتين، ولا بعد ثلاث.
بقينا في صنعاء نحاول ونحاول ونحاول..
كانت رؤيتنا أن صنعاء يمكنها أن تلعب دوراً يعيد السلام لليمن، ويفتح الحوار مع المنطقة ودولها من الرياض إلى أبوظبي إلى أديس أبابا ومقديشو وأسمره. وحتى الدوحة وطهران، سعينا بجهود مضنية كي يقبلوا منّا مجرد اتصالات تلفونية للنقاش.
رفض الزعيم أيَّ تواصلات استخباراتية، وتمسَّك بالتواصل السياسي، ولم يكن يرى فرقاً بين أن يتواصل الحوثي أو يتواصل المؤتمر.. المهم أن يتم التواصل باسم “صنعاء”.
وعلى الأرض المحرّرة من الحوثي، كنّا نبذل جهوداً للتواصل مع قواها التي كانت ترفض كل جهد مِنّا.. وتعتبرنا نحن والحوثي شيئاً واحداً.
وعلى الأرض التي يسيطر عليها الحوثي، بذلنا جهوداً خرافية من التعايش والقبول والمشاركة والمساعدة، وكان الحوثي يرانا في كل مرة خطراً ماحقاً، يحقق مع أفراده في كل مرة ننجح فيها بإقامة أي تواصل ميداني معهم.
كان يهرب المؤتمري من مناطق الحوثي، ويهرب من مناطق الإصلاح، ويصرُّ الزعيم على رفع صوته أن السلام مصيره أن يجمع المؤتمر بالحوثي والإصلاحي… وغيرهم، على طاولة حوار واحدة، برعاية الأشقاء السعوديين، وظل يقولها الأشقاء، ويقول “لا بيطردونا من أرضنا، ولا بنطردهم من أرضهم”..
وصلنا إلى نقطة الصفر مع الحوثي..
لم يكتفِ بالقتل والاعتقال وسرقة المنازل ونهب المكاتب.. بل قال، أصلاً، إن ذلك خطوة في طريق انتصاره ضد “التحالف”.. الذي كنا نحن وهو نسميه “عدواناً”.
حين نعلن وقوفنا اليوم في صف التحالف، هو محاولة أخرى بها ذات العيوب التي كانت في محاولاتنا مع الحوثي.. لكن ليس لدينا اختيارات، هكذا هي الأمور لحظات الخطر.. أنت لاتختار الأفضل، فليس هناك أفضلية.. بل تختار الأقرب.
وأنت تتهاوى من شاهق تتمسّك بحجر وشجر وأعشاب، وحتى لو لقيتَ كيساً فارغاً على قارعة الهاوية تتمسك به.
أو تصمت تاركاً السقوط يتواصل إلى قاع وقعر الهاوية.
ولذا، فإننا وقفنا مع التحالف، كما سبق ووقفنا مع الحوثي.. اضطراراً لكي تعودَ صنعاء لتلعب دورها الإقليمي عاصمة لدولة اليمنيين بتراضيهم وبرضاهم. بما يحقق لكل الأطراف مصالحها الوطنية والقومية والإقليمية.
والتحالف الذي بدأ حربه ضدنا نحن بمنطق أن الحوثي ليس شيئاً يُذكر، كما كان يقول الإصلاح.. وكل شيء هو بيدنا، أدرك بعد “خراب صنعاء” أن هذا وهمٌ موجعٌ..
ومن ثمَّ تغير خطابه ومواقفه معنا وضدنا..
ونحن اليوم وإياه حلفاء ضد الطرف الذي تحرّك نقيضاً لذلك، إذ صار الحوثي يرانا نحن الأسوأ والأكثر إجراماً.. لقد بدَّل التحالف والحوثي خطابهم تجاهنا، كلٌ تسلّم راية الآخر.
لم ولن يصبح “التحالف” هو الخيار الأفضل لاستعادة الدولة اليمنية، ولكن من قال إنه دخل الحرب كأفضلية، هو دخل بعد خراب البلاد، وبعد أن أوسعها الحوثي عبثاً من دماج وحتى التواهي.
ولكن أن يُراد منّا اليوم الاستمرار في نقد التحالف والتركيز على أخطائه وقصوره، سيكون هو نفس الطريق التي كانت تُبذَل لإفشال كل جهودنا في إصلاح ما أفسده الحوثي في صنعاء.
الأولوية اليوم هي لتجريد الحوثي من الحديدة، مثلما جرّد صنعاء من كل الأطراف إلا مشرفيه.
أغلق صنعاء على اليمنيين كأطراف سياسية وأبقاها مجرد مدينة للموالين له وشعاراته.. والرّد الأنسب هو قطع أوردته الساحلية في تهامة حجة والحديدة.
لم تنتصر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر إلا بالحديدة.. ولن تنتصر حرب الانتصار لذات الثورة اليوم إلا من تهامة أيضاً.
وحينما تلتقي قوات التحالف القادمة من ميدي بالقادمة من الدريهمي، حينها لنعود كيمنيين ونقيم الأدوار كلها، فالحوثي سيكون قد أصبح مجرد خطرٍ ماضٍ، أو حتى لنقُل أصبح مثل بقيتنا مجرد طرف محصور في خياراته الصعبة.
لنبقِ التركيز على “الحديدة”.. وندعم تطهيرها من الحوثي برعاية التحالف ودعم التحالف وسلاح التحالف.
لم يرَنا الحوثي كيمنيين.. وإذاً فالحديث عن التحالف هنا هو حديث عن الانتصار لقضيتنا، هو ذاته الذي فعلته مصر مع ثورة سبتمبر الأولى، وهو أفضل مما تفعله إيران وقطر وتركيا في سوريا.. كل منها يدعم طرفاً نقيضاً للآخر.. وهو ذاته الذي تدخلت به أوروبا في كوسوفو، وتدخلت به أمريكا في البوسنة والهرسك.
بعد أن تبدى أن الحوثي لايشبه شيئاً من أحلام اليمنيين ولا يمثل مصالحهم، فإن التحالف هو الشرعية الإنسانية ضد الحوثي وجرائمه.
ولا أقول إن التحالف صائب وطاهر.. أنا أتحدث عن قاعدة التحرُّك الأساسية، ثم لنأتي بعدها لواجبات إصلاح التحالف، وإصلاح الشرعية، وإصلاح الإصلاح، وإصلاح المؤتمر، وإصلاح الشمال، وإصلاح الجنوب.
ومما يؤسف.. وهذا رأيٌ شخصي بحت ضد كل الأطراف اليمنية بمن فيها نحن في المقاومة الوطنية، فإن التحالف أقل سوءاً مِنّا أجمعين.. هم أكثر فاعلية منّا.. وأكثر رغبة في الانتهاء من الحرب.. وأكثر حماساً وتضحية، وأكثر انفتاحاً على تقييم الأوضاع، وعلى تحديث القرارات..
كل الأطراف اليمنية هي اليوم جزء من معيقات التحالف وليس العكس.
الإصلاح يكاد يتفجّر تحت ضغط الصراعات، مراكز قوى ومصالح وتجاراً ومناضلين وفاسدين..
المؤتمر، شَذَر مَذَر..
المقاومة الجنوبية، شريكة للتحالف في تحرير صنعاء وعاجزة عن تعريف ما هي صنعاء هذه وفقاً لرؤية التحالف، لاتزال مأسورة لآثار حرب 94 سيئة الصيت.
المقاومة التهامية.. يمكنها أن تقدم أنموذجاً جديداً على كل إفرازات عهد ما قبل 2014، وأن يكون نفعها أكثر من ضررها إن كان لها ضرر، لكنها تتعامل مع تهامة كما ترفض هي أن تتعامل كل الأطراف معها.. أرض مشاع بلا مصالح شعبية، وبدون إرث من الخصوصيات..
وكل الأطراف مثل ذلك..
لندعم تحرير الحديدة.. وبعدها ليقف كل منّا أمام تهشمه الداخلي هو، ويصلحها وبعدها لنبدأ جميعنا صوتاً يمنياً وطنياً قومياً، أمامنا صنعاء لاستعادتها.. وأمامنا تاريخ جديد من العلاقات يجب أن ننتقل إليه، ونستجيب لمطالبه محلياً وإقليمياً ودولياً..
فلا يتوقع الشيخ في صنعاء أنه سيظل شيخاً في تهامة، التي سرقها ثم هرب..
ولا يتوقع الوحدوي أن كلمة وحدة تعني أن يكون وحده هو ورأيه وخطابه وشعاره ومصالحه ممثلاً للبلاد، وصاحب الحق في العبث بها بدعوى الوحدة.
ولا يتوقع الجنوبي، الذي ضحّى في تهامة، أن كل المعركة تتوقف على بكائيات الماضي لديه..
ولا يتوقع التهامي أنه كافٍ منه الخطابات التي تعلنه شيخاً بلا قبيلة في منطقة كُتب على نواصيها الخير..