مقالات

من يحكم منطقة الشرق الأوسط؟

 


كان هناك اعتقاد راسخ بأن أبناء المنطقة المسماة بالشرق الأوسط محكومة بأبنائها على اختلاف قومياتهم ، لكن هذا الاعتقاد تلاشى بالتصريح، أو بالأصح بالإعلان الذي أطلقه وزير حرب دويلة الاحتلال بأن كيانه هو الذي يحكم هذه المنطقة، ولم يترك لدول الهيمنة الراهنة -الولايات المتحدة وروسيا- مكاناً في هذا التحكم.


وحتى الآن لم يتصد للرد على هذا التصريح أو الإعلان الخطير سوى دولة عربية واحدة بينما صمت الآخرون استهزاء، أو تجنباً للانجرار إلى ما قد تقود إليه الردود من احتياج إلى البحث عن الدوافع التي أمل ت هذا التصريح في مثل هذا الوقت الذي يشتد فيه التنازع بين دول المنطقة والذي وصل إلى درجة تبعث على السخرية والقلق في آن، لما تكشف عنه تلك التنازعات من تطلعات سلبية، وأحلام بعض دول الإقليم في التوسع، وإبداء مواقف ليس لها ما يسندها من واقع ، هو في حقيقة الأمر على درجة من الهشاشة والضعف البالغ الوضوح اقتصادياً وسياسياً.


لقد جاء التصريح المشار إليه في الوقت المناسب ليقول لبعض دول المنطقة التي تحرث في بحر الأوهام، إن هناك عدواً يتربص بالجميع، ويستعد ليحكمهم، وعلى الجميع أن يتحرروا من زهوهم، ويعودوا إلى المنطق وما يفرضه من تعاون، وأن يعيدوا النظر إلى موضوع سيادة الأوطان كمبدأ مقدس، وخطوط حمراء، وأن الخروج عليه إنذار بحروب لن تتوقف، وتشجيع غير مباشر للأعداء بالتدخل وفرض «أجنداتهم» المعدّة منذ سنوات.


وإذا كان الوطن العربي في نظر هؤلاء الطامعين والحالمين هو رجل الشرق الأوسط المريض، فإن حقائق الواقع تقول غير ذلك تماماً، وتؤكد أن روح هذا الوطن – الأمة بخير، ولا تزيده الاستفزازات إلاَّ قوة، وقدرة على التحدي والمواجهة، ونتائج الصراعات في الأقطار الواقعة تحت وطأة الاحتراب والاقتتال الداخلي تؤكد بدورها سلامة الانتماء، والانتصار للشعب، وسيادته، واستقلال قراره الوطني، ورفض أية محاولة للتدخل الأجنبي تحت أي مسمى كان.


إن على كل اللاعبين في ما بات يسمى بالشرق الأوسط أن يتوقفوا طويلاً عند تصريح، أو إعلان وزير حرب الكيان، وأن يدرسوا محتوياته بعناية فائقة، وأن يراجعوا مواقفهم في ضوء ما يتوصلون إليه، ويدركوا أنه لم يصدر باسم الكيان ولا يعبرّ عن تطلعاته هو فقط، بل عن قوى أكبر منه بما لا يقاس وأكثر رغبة في خوض معارك نضجت ثمارها، ولم يعد هناك ما يدعو إلى التأجيل والصبر، وتلك بعض الدلالات الكامنة في التصريح الذي لم يكن الإعلان عنه مجازفة، أو سقطة لسان.


لقد امتدت الذراع الصهيونية في الأسابيع الماضية إلى أكثر من موقع يرى الكيان أنها مواقع إيرانية، أو مخازن أسلحة لهذه الدولة المشاركة في حرب داخل الأرض العربية، وهو معنى يكشف الكثير عن حقيقة الأهداف التي عبر عنها التصريح المشار إليه ضمناً.


إنَّ هذا الكيان المعادي والمستفزّ منذ وجد على هذا الجانب من الوطن العربي، وهو لا يتحدث- حين يتحدث- باسمه، ولا يحارب إلاَّ بالنيابة عن الآخرين كما حدث في حرب السويس 1955، وفي حرب 5يونيو/ حزيران 1967م، وهو الآن يعلن على لسان وزير حربه عن حروب وشيكة الوقوع يقوم بها نيابة عن القوى الأكبر. فهل صار ذلك كافياً للأنظمة الإقليمية المجاورة للوطن العربي، أن تفهم الدرس قبل أن يبدأ؟


 


 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى