تفنيد فِرْيَة (الولاية).. ضحالة المنطق.. والاستخفاف بالعقول
مما ﻻ زال عالقا بذهني من سنوات دراستي في ما قبل الجامعة، أنني وأصدقائي كنا نبتسم ساخرين حينما نسمع بوجود مسلمين شيعة إثنا عشرية، استمدوا الشق الأول من تسميتهم تلك من كونهم متشيعين للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه، إذ يؤمنون إيمانا يقينيا راسخا بأن رسالة الإسلام كانت منزلة أساسا من الله للإمام علي كرم الله وجهه، وأن أمين الوحي جبريل عليه السلام قد وقع في الخطأ حينما نزل بالوحي لأول مرة علی نبينا محمد ثم استمر في ذلك الخطأ حتی النهاية، وكأنهم يؤمنون بأحد خيارين: فإما أن الله أقر بخطأ جبريل وقرر الإستمرار فيه، طالما أنه قد حصل، وحاشا لله أن يكون الأمر كذلك، أو أن جبريل عليه السلام استمر في المضي بذلك الخطأ بخلاف المشيئة الإلهية – وربما دون علمه حاشا لله – خصوصا ونحن ندرك يقينا أن الملائكة مخلوقات من نورﻻ يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وبالتالي فإنهم ﻻ يمتلكون في الأصل وفق ما أوجدهم الله عليه من تكوين خيار معصيته أبدا ولا الخطأ في تتفيذ أوامره جل جلاله، فالملائكة تمثل في كل الأديان السماوية وكل الثقافات الإنسانية الخير المطلق، تماما كما يمثل إبليس اللعين لدی كل البشر في الكون الشر المطلق في كل ملكوت الخالق أياً ما كان مسماه. .
ويأتي اليوم دجال مران ليستدل في موضوع (الولاية) المزعومة والمفتراة أيضا علی الذات الإلهية، تماما كما في مسألة كون النبوة والرسالة كانت في الأصل للإمام علي كرم الله وجهه، علی ما ورد في اﻵية الكريمة رقم (67) من سورة المائدة والتي تنص علی
” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ”
صدق الله العظيم
مدعيا هو وكل من هو علی شاكلته أن المقصود بأمر الله لرسوله الخاتم متمم مكارم الأخلاق محمد صلی الله عليه وسلم في تلك الآية الكريمة بتبليغ ما أنزل إليه هو أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هو ولي الله وأنه أي النبي ولي من والاه وعدو من عاداه حينما رفع صلی الله عليه وسلم وفق روايتهم يد الإمام علي، وقال تلك الجملة أمام جموع الحجيج الذين بلغ عددهم وفق دجال مران عشرات الألاف بعد أن استنفرهم للتجمع في غدير (خم) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من العام العاشر للهجرة، وهو في طريق عودته للمدينة المنورة عقب انتهاءه والحجيج في ذلك العام من أداء مناسك الحج والقاء لخطبة الوداع في صعيد عرفة من ذلك العام .
ودعونا بهدوء وبمخاطبة العقول والأفئدة السوية نفند ذلك التفسير الأعوج المزعوم، وتلك الفرية التي يفترونها علی الله جل جلاله ذاته وعلی أمين الوحي جبريل عليه السلام قبل أن تكون مفتراه علی نبينا الكريم وعلی صحابته رضوان الله عليهم أجمعين بما فيهم الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه نفسه وعشرات الآﻻف من المسلمين حجاج بيت الله الذين يزعمون سماعهم لذلك التبليغ الذي نقله أمين الوحي جبريل عليه السلام من خلال ذلك الأمر الإلهي الوارد بتلك الآية الكريمة..
أولا: بافتراض صحة ذلك التفسير أما كان الأولی أن يتنزل جبريل عليه السلام بتلك اﻵية الكريمة علی النبي في العاشر من ذي الحجة وقبل أن يصعد لإلقاء خطبة الوداع كي تتضمن تلك الخطبة مسألة (الولاية) من جهة، وكي يشمل التبليغ بتلك المسألة كل من حج إلی بيت الله الحرام في ذلك العام، أما أن يتأخر ذلك التبليغ البالغ الأهمية لمدة ثمانية أيام بعد أن تكون كل مناسك الحج قد انقضت وغادر الحجيج مكة المكرمة عائدين لديارهم فذلك مثير للدهشة والاستغراب والتعجب..
ثانيا: بافتراض صحة ذلك التفسير أيضا، فذلك يعني قطعيا أن كل من حضرعملية التبليغ تلك يعتبر شاهد عيان عليها وبنفس التفسير المزعوم بأن الإمام علي هو من يجب أن يخلف الرسول في قيادة المسلمين وتولي إدارة شؤونهم ويشمل ذلك الإمام علي نفسه وبقية الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فلماذا طالما كان الأمر كذلك اختلف الصحابة في اختيار من يخلف الرسول بعد وفاته صلی الله عليه وسلم، وإن كان جميع الصحابة قد خانوا الأمانة وطغی إبليس اللعين علی عقولهم واستحوذ عليهم، فهل هذا أيضا هو شأن عشرات الآﻻف من الحجاج المسلمين الذين حضروا واقعة نزول الآية وتبليغ الرسول بها وبتفسيرها بالكيفية التي يزعمها دجال مران وكل من علی شاكلته، هل كل هؤلاء شهود زور خانوا أمانة تنفيذ أمر الله في من يخلف الرسول حال وفاته، ويشمل ذلك الوصف بخيانة وتضييع الأمانة الإمام علي كرم الله وجهه ذاته، لأنه وفقا لهذا التفسير العجيب للآية عصی الله وتخاذل ولم يعمل بأقصی ما وهبه الله من قوة علی الاستجابة للأمر الإلهي، ومن منا ﻻ يعرف بالقوة الاستثنائية التي كان يمتلكها الإمام علي رضي الله عنه وكرم وجهه؟
يقول من هم علی شاكلة دجال مران أن السيدة فاطمة الزهراء استنكرت عصيان الإمام علي كرم الله وجهه للأمر الإلهي بأن يكون ولي أمر المسلمين بعد وفاة أبيها صلی الله عليه وسلم وتزامن ذلك الاستنكار مع ارتفاع صوت الأذان، ووفق روايتهم الغبية أشار الإمام علي لمنارة المسجد الذي كان يصدر منه صوت المؤذن وأجابها: هل تريدين أن يختفي هذا للأبد؟!؛ في إشارة إلی أنه لو نفذ أمر الله بالولاية لحدثت فتنة عظيمة سينتج عنها تفتت المسلمين وزوال دين الإسلام، بالله عليكم كيف يمكن أن تنطلي رواية كهذه علی عقول من يدعون أنهم مسلمين مؤمنين بهرطقات دجال مران وهم علی شاكلته، فكيف يستسيغ هؤلاء أن يصدر الله أمرا يحتمل ويمكن أن ينتج عن تنفيذه وقوع فتنة بين المسلمين من شأنها أن تمحو الدين الإسلامي في مهده وبعد سنوات معدودة من ولادته، فتكون معصية الله بعدم الامتثال لتنفيذ أمره مانعة لوقوع تلك الفتنة المفضية لزوال الدين من الوجود.
ثالثا : وبافتراض صحة ذلك التفسير للآية الكريمة وأن الله قد اختص الإمام علي كرم الله وجهه بالفعل بالولاية عند وفاة الرسول صلی الله عليه وسلم، فأين ما يشير إلی أن تلك الولاية حصرية في الإمام علي بن أبي طالب وذريته من بعده إلی يوم القيامة؟!، هل هناك مثلا حديث شريف مكمل لروايتهم المزعومة يذكر فيه النبي ذلك بألفاظ صريحة ﻻ تقبل التأويل؟! ، ولماذا أيضا استمر الحسن والحسين في عصيان الأمر الالهي تماما كأبيهما؟!، ولم يقاتلا لتنفيذ أمر الله، وإن كان الأمر كذلك فمن كان الأجدر بالولاية آنذاك بعد استشهاد أبيهما هل الحسن أم الحسين؟!، ولماذا تم محو (الحسن) وذريته من كل أدبيات الشيعة؟!، وهل هناك آلية مروية عن النبي من شأنها تنظيم مسألة الولاية؟!، خصوصا وقد تجاوز عدد المدعون أنهم من نسل الرسول الكريم مئات الآلاف في زماننا هذا، ويتواجد اﻵﻻف منهم في كل دولة؟
وقياسا علی ذلك من هو الأجدر بالولاية هنا في (اليمن) من بين كل أولئك الذين يدعون أنهم من نسل الإمام علي كرم الله وجهه ؟!، وكيف يتم اختياره؟!، هل بالانتخاب فيما بينهم؟!، أم بمن تتوفر فيه مواصفاتهم المزعومة؟!، ومن هي الجهة التي ترجح توفر هذه الصفات في هذا أو ذاك؟!، وهل تتوفر كل تلك الصفات أو معظمها في دجال مران؟!، بحيث يكون هو وحده المالك الوحيد أو المؤهل الأجدر بامتلاك حق الولاية والسيادة علی أولئك الذين يصفون أنفسهم ب(السادة) أو (القناديل)، وعامة الناس الذين يصفونهم ب(الزنبابيل)، أم أنهم ملتزمون بقانون الغابة فيما بينهم لتحديد الأحق والأجدر بالحق الإلهي المزعوم بالولاية، فالقوي فيهم هم من يدعون أنهم (آل البيت) يأكل الضعيف ويتسيد علی السادة أنفسهم، وهل دجال مران هو أقواهم جميعا وفق هذه الشريعة؟!، وإن كان كذلك فما مصدر تلك القوة؟!، سؤال متروك لهم الإجابة عليه إن كانوا يمتلكون شجاعة فعل ذلك..
أستاذ نظم المعلومات الإدارية بجامعة صنعاء