“نسي ما كان يدعو إليه”
قصص تتكرر في كل زمان ومكان عنوانها (إن الإنسان خُلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً)..
فالثائر إذا تقلد الحكم انقلب إلى ديكتاتور.
والشخص الذي ذاق مرارة الفقر وذل الحاجة، إذا أغناه الله من فضله، تكبّر واحتجب عن الفقراء من أقاربه ومعارفه وأصدقائه..
والذي أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي سنين طويلة، إذا تاب إلى الله تعالى نظر للغافلين والعصاة نظرة احتقار وازدراء، وكلف نفسه بمهمة الدعاء عليهم بالهلاك، وتعجب من صبر الله عليهم.
والزوجة التي كانت تشكو ظلم أم زوجها وهرمها، إذا دارت الأيام وأصبحت عمة مارست على زوجات أبنائها ما كانت تشكو منه.
والأم التي أجبرها أبوها على الزواج من رجل تكرهه ولم تعرف للسعادة طعماً ولا رائحة، تسخر من مشاعر ابنتها إذا أبدت رأيها في الشخص الذي تقدم لخطبتها.
والكاتب المغمور الذي كان يحلم بنشر كتاباته في صفحة القراء، إذا ولج عالم الشهرة وسُلطت عليه الأضواء ترفع عن قراءة الصحف المحلية وتشجيع المغمورين من الشباب حتى ب”لايك”.
كثيرة هي الصور.. وكثيرة هي الأمثلة.
يقول أحدهم:
عشت أنا وأخي حياة ضنكة بسبب قلة ما في اليد.. ودارت الأيام وتحسنت أحوال أخي وأصبح من الأغنياء.
لكن أخي لم يعد يتذكر ما كنا نعاني منه سوياً.. وكيف كنا ننتظر قدوم شهر رمضان بفارغ الصبر وأيام الأعياد علّ بعض أقاربنا يجودون علينا حتى بزكاة أموالهم..
نسي أخي كل ذلك، واحتجب عني، وعاش حياته وتركني أعاني أنا وأسرتي.
وقد ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، قصة ثلاثة نفر من بني إسرائيل أقرع وأبرص وأعمى، كانوا إلى جانب عاهاتهم الجسدية يشكون الفقر، فمنّ الله عليهم بالأموال وعافاهم مما ابتلاهم من الأمراض ليختبر إيمانهم، فأرسل إليهم مَلَكَاً في صورة رجل فقير يسألهم المساعدة، فنهروه ولم يعطوه شيئاً.. فلما ذكرهم بما كانوا عليه من الفقر والحاجة والأمراض، قال الأقرع والأبرص إنما ورثناه كابراً عن كابر،
فكان عاقبتهما أن صيرهما الله إلى ما كانا عليه..
وهذا هو حال كثير من الناس، إلا من رحم الله.
قال تعالى: (ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث).
وصدق الشاعر حين قال:
الجرح ما علمني أضحك على الناس
الجرح علمني احترام المواجع.