سقوط القلعة الأهم
– بسقوط الريال تكون قلعة من قلاع الصمود الوطني قد سقطت ، ويكون الانقلابيون بذلك قد استكملوا إغلاق الحلقة الشريرة التي حشروا فيها البلاد برؤيا انتقامية ممنهجة لا تخطر على بال .
– كان صمود الريال قد شكل حائطاً يستظل به البسطاء ممن أفقرتهم الحرب وسياسة استبطان الظلم ، وكان سنداً لأولئك الذين تقطعت بهم السبل بحثاً عن ملاذ للهرب من عاديات لا ترحم .. لكنه اليوم ، وقد سقط من جملة ما سقط من قلاع أمام زحف فاجعات الزمن الرديء ، فإن جميع هؤلاء باتوا مكشوفين على ما هو أسوأ من الكوارث … فهل إلى تجنب ذلك من سبيل ؟
– ناقشت منذ يومين صديقاً مقرباً من أحد مستشاري البنك المركزي حول موضوع تدهور سعر العملة الوطنية وأسباب عدم القدرة على صياغة سياسة نقدية تخفف من المشكلة ، ولا نقول حلها ،في ظل الظروف الحالية، لم أجد في الحديث الذي تبادلناه ما يبشر بأي معالجات جادة لهذا الوضع المأساوي سوى أن الجميع يقلب معادلات أكاديمية أكل الدهر عليها وشرب بحثاً عن حلول لمشكلة يصنع الجزء الأكبر منها الانقلابيون بإصرارهم على مواصلة منهج الحرب لما يوفره هذا الوضع من ظروف لمواصلة المهزلة التي يمارسونها في المضاربة بالريال بواسطة شبكة واسعة من ذوي الضمير الميت ممن يتكسبون من معاناة الناس بشراء الدولار وغيره من العملات من الاسواق بأسعار خيالية لا يحكمها أي ضابط من ضوابط السوق المعروفة .
– فالأموال بالريال التي بيد هؤلاء تعود في الاساس الى المصادر التي تجبى خارج إطار الدورة المالية والنقدية التي يشرف عليها البنك المركزي وهي ضخمة لدرجة لا تقل عن ٤٠٪ من حجم النقد المتدوال ، ( تشكل أموال شركات الاتصالات جزءاً هاماً منها) ، وهي التي تضخ الى سوق العملة بواسطة تلك الشبكة من المضاربين لشراء الدولار والنقد الأجنبي عموماً .. مع ملاحظة أن المضاربة هنا لا تتم لغرض الاستيراد وإنما لتهريبها الى خارج البلد والتوظيف غالباً في شراء العقارات والاستثمار الخاص .
– قد لا يكون بمقدور البنك المركزي أن يضع المعالجات الكاملة التي تكفل منع هذا التدهور السريع ، لكن بمقدوره أن يتابع هذه الاسباب ليعرف الناس أين تكمن المشكلة ، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتخريب الذي تقوم به شبكات واسعة للتكسب على حساب المواطن المسكين ، وبمقدوره لذلك أن يعالج جزءاً هاماً من المشكلة .
– لا أدري أي ضمير يحمله هؤلاء الذين يبحثون عن الثراء على جثث مواطنين يطحنهم الجوع والفقر .
– المشكلة غدت بحجم كارثة لا يمكن أن تبقى موضوع مداولات بين أجهزة لا تتوفر لديها القدرة ولا الأدوات المناسبة لمواجهة مشكلة بهذا المستوى من التفاقم المريع ، وهي بدون شك أوسع من هذه الأجهزة وأكبر من مجرد ضخ نقدي الى جسم إقتصادي متهالك ومنقسم ويتحكم بالجزء الأكبر منه الانقلابيون المنتجون للمشكلة .
– في جزء كبير من المشكلة هي شبكة مصالح أنانية لا يحكمها حد أدنى من الأخلاق ، ويقودها أناس تجردوا من الدوافع الانسانية التي تربطهم بهذه الارض سوى ما تبعثه فيهم نزعات التسلط من دوافع لمراكمة أدوات النفوذ لفرض خيار الأمر الواقع .
– مغادرة حالة اللاحرب واللاسلم هي الخطوة الأولى نحو تجنب الانهيار الشامل الذي تتربص به مجاعة لن ترحم .
الانقلابيون الذين وجدوا في هذه الحالة المائعة وضعاً مثالياً لتنفيذ مخطط إسقاط الدولة عن بكرة أبيها هم العنصر الأهم في هذا التخريب النقدي الذي تفاقم كأداة لتكريس الانقلاب تحت ضغط الوضع الانساني المتدهور .
– لسنا في حاجة إلى تكرار ما قلناه أكثر من مرة من أن مواجهة الانقلاب واستعادة الدولة لا يحب أن يقتصر على عنصر واحد من عناصر المعركة ، وإلا فإن الجميع سيحاصر بمثل هذا الوضع الانساني الذي سيفرض شروطه .