مقالات

المرجفون في المدينة

 


في أحيان كثيرة نستسهل أثر بعض الأمور الصغيرة، فلا تلبث أن تخرج عن السيطرة بمرور الأيام، ولا نعطي بالاً لبعض «المتلونين» وأحاديثهم المشبوهة حتى نتفاجأ وقد أحاط بهم الأعوان وصفق لهم الأنصار، فالعرب تركوا رجلاً يُدعى «بلاي» مع ثلاثين من أصحابه عندما هرب إلى إحدى المغارات بعد سحق جيشه شمال الأندلس، فدارت الأيام وكانت تلك الجماعة الصغيرة أساس قيام مملكة قشتالة التي أسقطت أندلس العرب، وبغداد لم تأبه لنكرة يُدعى علي بن محمد كان يحاول ادّعاء نسبٍ مزوّر لآل البيت وتأليبه للعمّال الزنج في سباخ البصرة حتى صدم الدنيا بإعلان ثورة الزنج التي أحرقت جنوب العراق وأهلكت أكثر من مليون إنسان!


مثل هذه القصص تكررت كثيراً في التاريخ، وستتكرّر مستقبلاً؛ لأنّنا كما يقول الفيلسوف الألماني هيجل، قد تعلمنا من التاريخ أننا لا نتعلّم من التاريخ، و«المتلونون» و«المرجفون» يتحيّنون الفرص لكي يبثوا سمومهم بين ثنايا كلمات جميلة ودعاوى تتصنّع المثالية وهي لا تنشد إلا دس السم في العسل، هم يعلمون أنّ عامة الناس يفتر حماسها شيئاً ما بمرور الوقت، فيَدَعُون الوقت يُعينهم لكي يحاولوا من جديد إعادة «برمجة» عقل المجتمع أو بالأصح خداعه، وإن لم يتم الانتباه لهم فإنهم سيشغّبون كثيراً في سعيهم لضرب لُحمة المجتمع، وإحداث شرخ في تماسكه حيال قضايا الوطن المصيرية.


 


حتى اليوم ما زال بعض المثبطين يتحيّن الفرص ليشكك في قرار ذهابنا مع التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وما زالوا يثيرون على استحياء أكاذيب الحوثيين وادعاءاتهم بقدرتهم على استهداف عواصم الخليج، وما توقفوا عن نشر تقارير المنظمات الحقوقية المؤدلجة والتي تغض طرفها عن جرائم الحوثيين وأذنابهم وأعوانهم وتحاول إلصاق تلك الجرائم بمن جاء لنصرة اليمن وإنقاذها وإعادة الحكومة الشرعية، بعد أن عبثت إيران من خلال جماعات الحوثي الإجرامية باليمن السعيد وأحالت نهاراته إلى ليالٍ حالكة السواد!


 


يدّعي هؤلاء المثبطون بأنّ الأفضل لنا لو تركنا الأمم المتحدة ومجلس الأمن يتولون القضية من بداياتها، وهم يتعامون عمداً وتدليساً على الناس بأنّ اليمن ما كان ليصل لهذا الحال لولا ميوعة مواقف الدول الكبرى والدور المشبوه الذي لعبته الأمم المتحدة، والذي صحونا معه لنجد الحوثيين قد كادوا يبتلعون كامل اليمن، وساسة إيران يفتخرون أنهم أصبحوا يتحكمون في أربع عواصم عربية: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، يقولون ذلك وقد كشفت الأيام الأخيرة عن فضيحة تسريب شحنات الأسلحة للحوثيين ليس من إيران هذه المرة، بل نتيجة تساهل الأمم المتحدة نفسها، ويتغنون بترك الأمر للكبار ليحلوا مشكلاتنا وهم يعلمون أنّ الأسطول الأمريكي الخامس الموجود في الخليج العربي وبحر العرب، يُمسِك بشحنة أسلحة إيرانية مهربة من باب ذر الرماد في العيون، ويتغاضى عن سفن قد تحمل مئات الشحنات!


 


الوضع في اليمن ليس نتاجنا، وذهابنا هناك لم يكن ما نبحث عنه، لكن ذاك البلد تكالبت عليه الضباع من كل مكان، فلم يكن من نجدتنا له من بُد، ولو لم تكسر شوكة إيران هناك لرأينا قاسم سليماني يتجول في صنعاء وعدن والحديدة، بل ربما مُدن الخليج، ألم يخرج فيديو له مؤخراً يقول فيه بأنهم يحاربون لإعادة إمبراطورية لم يبقَ منها إلا الأطلال، وأنهم لن يرضوا أن يحكم أراضيهم (يقصد أراضينا) مَن جاء مِن الصحاري، ما حدث في اليمن كان احتلالاً فارسياً ببنادق مأجورة، وما زالت هذه البنادق المـأجورة تستميت في تهيئة الأمور لسيدتها إيران، ألم يرَ الجميع تلك التظاهرات التي اختلقها حزب الإصلاح الإخواني في تعز للتنديد بقوات التحالف العربي وتلك الهتافات الساقطة التي تم تلقينها للموجودين، كل يومٍ يمر يتبيّن لمن ما زال لديه بقيةٌ مِن ظن خير في هذا الحزب بأنّه يفعل ما لا تفعله الأبالسة، وبأن سعي الإمارات لاجتثاثه من أصوله كان الصواب الوحيد، فالشياطين لا يُرتجى منها خير إطلاقاً، بل حتى في الأحلام لا يأتي منها الخير !


 


لم نذهب برغبتنا ولكنها الضرورة، نحن أهل سلام ولكنّ السلام لا يتحقق لمن لا يُرهَب جانبه، وما دام للأعداء حولك أنياب ومخالب فلن يقرّ لك قرار حتى تخلعها لهم أو تجعل بينك وبينهم حاجزاً، تقول الحكمة القديمة: «فليستعد للحرب من ينشد السلام»، فالخير المحض يُغري الضباع الجائعة، ومَن لم تدفع عنه الشر يدُه فلن تفعل ذلك أيادي الغير، أمّا أولئك المتلونون والمثبّطون فمن المهم أن تُكشَف أوراقهم وتُفضَح مقاصدهم، فجانب الحق معروف وطرف الشر مكشوف، وكما قالت العرب قديماً: «مَن لم يعرف الخير مِن الشر فألحقه بالبهائم» !


 


نقلا عن “البيان”


 

زر الذهاب إلى الأعلى