مقالات

عن سوء إدارة الشعوب

 


صار واضحاً من خلال محصلة البحث الموضوعي عن سقوط بعض الأقطار العربية في قبضة الفوضى والاحتراب، أن سوء الإدارة، وعجز الأنظمة عن امتلاك الوعي الإداري والشعور بالمسؤولية، هما وراء كل ما حدث، ويحدث لهذه الأقطار، وشعوبها، تحت عنوان واحد يحمل اسم»الفوضى». وفي المقابل، فإن الفضل في سلامة بقية الأقطار العربية، وتماسك أبنائها في وجه رياح الفوضى يعود إلى السبب الإداري، وامتلاك مقومات رؤية واضحة نحو المستقبل، ما عزز أداءها، وجعلها تحتل مراتب متقدمة بين الأمم. وبدلاً من تضييع الوقت في البحث عن أسباب وعوامل أخرى لهذا السقوط المروع، ينبغي التوقف لقراءة أسباب الخلاص، إذا كان لا يزال هناك ما يوحي بذلك. وصحيح ما يذهب إليه البعض من وجود أسباب وعوامل أخرى مساعدة، إلاَّ أنها لم تظهر إلاَّ في وقت متأخر، ويمكن اعتبارها من نتائج السبب الأول وهو سوء الإدارة .


هناك أشخاص يتولون حكم بلد وهم أعجز من أن يتولوا تسيير أمور مدينة، أو قرية، وبالتالي مرفق صغير من مرافق ذلك البلد، ومن هنا عمّت الفوضى، وساد الاستهتار إلى حد الانهيار، وانكشفت العورات، وصار الحكم هدفاً لكل مغامر، أو مجموعة من المغامرين الذين يستسهلون حكم الشعوب، كما لو كان الحكم لعبة يمكن إتقانها في أيام، أو دقائق. وكانت النتيجة ما رأيناه، ونراه بأم العين من سباقات ماراثونية -بالطبع غير رياضية – للاستيلاء على الأنظمة من دون تفكير، أو حساب للعواقب التي لابد أنها ستكون بمثابة الكارثة على أبناء البلد. وما في ليبيا -كنموذج فقط – يعكس هذه الحالة، أو بالأحرى الحالات التي عملت على تدمير الحياة في بعض الأقطار العربية، وإعادتها إلى الخلف عشرات القرون، بعد أن كانت قطعت أشواطاً على طريق التحديث المتواضع.


إن من حقنا على أنفسنا أولاً، وعلى أقطارنا ثانياً، وعلى مستقبل أمتنا العربية ثالثاً، أن نقول الحقيقة كما هي، بكل وضوح، وشفافية، وجرأة، فقد أدت مخادعة النفس، ومخادعة الأمة إلى ما نحن فيه من مآس قل نظيرها في حياة الأمم الأخرى. ومن يتابع التجارب المتقدمة في العالم الثالث يدرك أهمية التأسيس الإداري، ودوره في بناء الدولة الحديثة، واعتماد قياداتها على إعداد الكادر الإداري العارف بدوره، وما هو المطلوب منه لذلك. فقد نجحت تلك الدول في أقل عدد من السنين، وحقق أبناؤها نظاماً قاد التطوير بتفوق يشهد له كل ذي بصيرة، ويصلح ليكون نموذجاً يحتذى لأقطارنا العربية.


هل استفدنا من هذه التجارب الأقرب، والأحدث، والخالية من كل صعوبة تذكر، أم أن هياكلنا الإدارية الضاربة في أعماق التخلف لا تزال تتحدى، وتقاوم كل محاولة صادقة وجادة للتغيير، وبناء دولة تبني، وتسعى إلى تجاوز المخلفات المحبطة لإرادة شعوب تعيش في القرن الواحد والعشرين؟ السؤال مطروح على كل واحد منا، ولعل الإجابة جاهزة، ومتبلورة في أذهان الجميع.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى