أسر ثرية تشترط العصمة في يد الزوجة

 


تزايدت زيجات العصمة النسائية بصورة واضحة في الفترة الأخيرة، وتنتشر في العائلات الثرية والأسر الراقية، التي تخشى نساؤها، طمع الأزواج في ثرواتهن، كما تتضح هذه الظاهرة في المدن الكبرى بعيدًا عن الأرياف، لأن سكان هذه المناطق الريفية مازالوا يحرصون على أعرافهم القديمة ويعتزون بها، فالرجل الريفي يأبى على كرامته أن تتحكم الزوجة في مصيره وأسرته، ويجد في ذلك إخلالاً برجولته.


ويرى الدكتور سعيد المناوي أستاذ علم الاجتماع في مصر أن السبب في تزايد هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، يرجع إلى تدهور الحالة الاقتصادية ومعاناة الشباب من البطالة، ما يضعف فرص الزواج، وتكون النتيجة أن تحاول الفتاة تأمين مستقبلها بطلب حيازة العصمة.


المتعارف عليه في مختلف الدول العربية أن تكون العصمة في يد الزوج وبالتالي يكون الطلاق حقا من حقوقه، إلا أنه في بعض الأحيان ونتيجة للكثير من العوامل المادية والمعنوية تشترط الزوجة أن تكون العصمة في يدها مما يخوّل لها تطليق نفسها وتكون صيغة طلاق المرأةِ لنفسها من زوجها بلفظ “طلقت نفسي منك”، أو “أنا طالق منك”، ولا تقول له “أنت طالق”.


ومن جانبه يؤكد الدكتور طاهر الشافعي أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس “المرأة كائن سريع الانفعال والتأثر، وغالبا ما تتخذ قراراتها بناء على أساس عاطفي وجداني، يبتعد عن الحكمة والعقل، لذا فهي غير مؤهلة لأن تحوز هذا الامتياز الذي تتحكم بموجبه في كيان أسرة بأكملها، ومصير جيل من النشء”.


وقال موضحا “أحيانًا يتوهم بعض الآباء أن ذلك النمط من الزواج، يكسب أسرته قدرًا من المثالية التي يشار إليها بالبنان، ويخفي عليهم في هذا الوقت أن انقلاب الأدوار في المنزل يؤثر في الأبناء، ويرسب في نفوسهم شعورا بالنقص مقارنة بأقرانهم الذين يحيون في جو أسري طبيعي، فالكمال لا يضمن السعادة كما يظن البعض، لأنه عامل مهم في إحساسهم بالغربة عن مجتمعهم، وانفصالهم عن الأنماط السائدة داخله، وهو ما يصيبهم بالاكتئاب والإحباط، في أول الفرص التي يصطدمون فيها بالواقع الخارجي”.


ويشرح الدكتور جلال السعيد بجامعة الأزهر هذا الامتياز الشرعي فيقول “سواء أكانت العصمة في يد الزوجة أم الزوج فلا يجوز للمرأة أن تطلق نفسها وإنما الحق ثابت للرجل، “إنما الطلاق لمن أخذ بالساق”، والجائز شرعا لصاحبة العصمة، أن تقول لزوجها طلقني فيطلقها، وإن رفض لها الحق أن ترفع الأمر إلى القضاء”.


كما أفاد أنه يجوز أن يمنح الزوج زوجته هذا الامتياز عند العقد، ويشترط أن يقول في هذه الأثناء «أمرك بيدك»، على أن تردد  المرأة «زوَّجتك نفسي على أن يكون أمري بيدي» فيقول الزوج “قبلت”.. أو بعد انعقاد العقد، ولكنه لا يجوز أبدًا قبل ذلك، لأن الرجل يفوِّض امرأته في ما لا يملك فأعطاها حق الطلاق قبل أن يثبت له شخصيا بموجب العقد.


وأضاف أن ثبوت هذا الامتياز للزوجة لا يسلب الزوج حقه في الطلاق، وإنما يظل في استطاعته أن يطلقها، ولا يختلف شكل أو طبيعة عقد الزواج في هذه الحالة، عن مثيله العادي، ولكن يجب أن يبدي الرجل موافقته على منح الزوجة العصمة أمام الشاهدين، ويكتب على قسيمة الزواج هذا الشرط وكذلك يدون في ورقة خارجية تسجل رسميا وتحفظ في العقد.


العصمة في يد الزوجة أحد حقوقها، والتي لا يستطيع أحد أن ينكرها عليها، أو يصرح بعدم ملاءمتها لتحمل تلك المسؤولية


ويقول الدكتور يحيى مندور أستاذ علم الاجتماع في مصر “أجاز الشرع تركيز العصمة في يد الزوجة لأنها أحد حقوقها الإسلامية الثابتة لها، والتي لا يستطيع أحد أن ينكرها عليها، أو يصرح بعدم ملاءمتها لتحمل تلك المسؤولية، وإعطاء هذا الامتياز للزوجة، ولا ينزع من الزوج حقه في تطليقها، وبذلك يظل الرجل محتفظًا بقوامته داخل الأسرة”. وأضاف موضحا “إن العصمة دائما في يد المرأة، فالعقد لا ينعقد إلا بإبدائها القبول لعرض الزواج، وإن رفضت لا توجد قوة على وجه الأرض ترغمها على الرضوخ والاستسلام، وكذلك الحال إذا توترت العلاقات الزوجية بين الزوجين، وأصرت المرأة على الطلاق، فإن الزوج يشعر بكره زوجته ونفوذها، فإما أن يزيل أسباب رفضها وانزعاجها أو يطلق سراحها بالمعروف وإلا تحول الزواج من إطار للمودة والرحمة إلى اغتصاب يجرح كرامة الزوجة ويعكس سوء تقدير الزوج”.


كما يؤكد مندور “إن كان شرط العصمة في العقد يراد به تدعيم حرية الزوجة ورفع منزلتها داخل أسرتها، كان لذلك عظيم الأثر في نفوس الأبناء الذين ينشأون في جو عائلي مستقر، يلاحظون من خلاله الاحترام المتبادل بين الأبوين، وإعلاء مكانة الأم والمرأة داخل الأسرة، ومن ثم يشب الطفل على قيم المساواة العادلة والتخلي على النمط الذكوري المتعصب فيطبق هذه المبادئ في حياته المستقبلية..”.


ويتابع “أما إذا كان طلب تركيز العصمة في يد الزوجة، يقصد به إهانة الزوج وتحقيق نزعات المرأة الاستبدادية والتسلطية فهو أمر مرفوض، ويسهل على الرجل اكتشاف سلامة نية زوجة المستقبل من خلال ملاحظة تصرفاتها المعتادة”.


وبين محمد عطية أستاذ الشريعة الإسلامية، أن شريعة الإسلام أعطت للزوجة الحق في إنهاء حياتها الزوجية عن طريق «الخلع»، وهو ما يعادل الطلاق لدى الرجال، وهنا يشترط أن يتضمن عقد الزواج ما يفيد تركيز العصمة في يد الزوجة.. وقد أقرت السنة والقرآن والإجماع ثبوت هذا الحق للمرأة ولا يجوز للرجل أن يجبر امرأته على طلب «الخلع» بالإساءة والإهانة المهدرة لكرامتها، وإذا حدث ذلك فإن الخلع باطل، ومرفوض أن تتلاعب الزوجة بهذا الحق، فتعرض أسرتها للهلاك وفقدان الاستقرار؛ والفقهاء أجمعوا على أن الخلع تطليقة رجعية، يحل فيها للزوج رد زوجته بعقد وقبول جديدين باستثناء مذهب الإمام أحمد بن حنبل، الذي رأى فيه فسخًا للزواج أي فراق بغير طلاق.


 


 

Exit mobile version